أكد نائب أمير منطقة القصيم الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود أن صدور النظام الأساسي للحكم المستمد تشريعه من القرآن والسنة هو أبرز ملامح التطور السياسي والاجتماعي للمملكة، مبيناً أن الدول المعاصرة هي التي أوجدت القانون، وأخضعت الجميع إليه، أما الدولة الإسلامية وسلطاتها العامة فهي وليدة الشريعة الإسلامية التي تقتضي لزاماً أن يخضع الجميع فيها لأحكامها.
وكان الأمير الدكتور فيصل بن مشعل قد استهل أنشطة الجمعية العلمية السعودية للدراسات الفكرية المعاصرة بمحاضرته التي نظمتها الجمعية تحت عنوان: "النظام الأساسي للحكم.. قراءة فكرية"، والتي ألقاها مساء أول من أمس في مركز الملك خالد الحضاري بمدينة بريدة بحضور أمير القصيم الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، وأستاذ العقيدة في جامعة الملك سعود، الأمير الدكتور سعود بن سلمان بن محمد آل سعود.
وقدم سموه في المحاضرة التي أدارها مدير جامعة القصيم الدكتور خالد بن عبدالرحمن الحمودي، قراءة تحليلية للنظام الأساسي للحكم في محورين الأول: "التعريف بالنظام الأساسي للحكم" اشتمل على التعريف بالنظام وتحديد نشأته وجذوره التاريخية وأهميته، والمحور الثاني "قراءة في النظام الأساسي للحكم"، تناول فيه تحليل بعض مواد النظام واستخلاص مضامينه فيما يتعلق ببعض المبادئ الدستورية التي احتوى عليها.
وقال: "إن نظام الحكم يعد أهم وثيقة دستورية في المملكة، وجاء متميزاً بصفاء المصدر وأصالة المنهج وسمو الأهداف، استمد أصوله من الشريعة الإسلامية مع مسايرة أعراف المجتمع السعودي والمحافظة على قيمه وأصالته، وهو بذلك يتميز عن بعض دساتير وأنظمة الحكم التي تبنت قوانين وضعية تخالف الشريعة الإسلامية".
وأكد الأمير فيصل بن مشعل أن النظام الأساسي للحكم جاء ليسهم في ترسيخ تجربة الدولة السعودية في بناء مجتمع يعد نموذجاً للمجتمع الإسلامي المعاصر المتمسك بعقيدة الإسلام وتطبيق شريعته، مع الأخذ في الوقت نفسه بأسباب التطور العلمي والتقني في مختلف مجالات الحياة، داعياً الباحثين والمهتمين إلى إجراء المزيد من البحوث والدراسات للنظام لاكتشاف سماته وخصائصه الفريدة، خاصة فيما يتعلق بالحقوق والواجبات والحريات العامة، والشؤون الاقتصادية والمالية. واقترح سموه في ختام محاضرته على الجامعات، خاصة أقسام الشريعة والسياسة والأنظمة والإعلام، تخصيص مقرر لتدريس النظام الأساسي للحكم ضمن خططها ومناهجها الدراسية للأهمية القصوى للدارس في هذه التخصصات.
من جهته أكد الأمير سعود بن سلمان بن محمد آل سعود في مداخلة له أن أهم ما ورد في النظام الأساسي للحكم هو التحاكم إلى الكتاب والسنة، وأنه لا بد من حراسة "بيعة الإمام" وأن من اعتدى على النظام الأساسي للحكم مهما كانت صفته أو درجته العلمية سواء باسم "الإصلاح" أو باسم "الجهاد" سيقف القضاء في وجهه حارساً للنظام والأمة من أن يتفرق جمعها، مبيناً أن المقصود من النظام الأساسي للحكم توحيد الكلمة وحكم الناس بالكتاب والسنة بعدل وشورى، وأنه لا يتحقق ذلك إلاّ بصيانة هذا الحق.
واختتم مداخلات الحضور القاضي في المحكمة الجزئية ببريدة الشيخ إبراهيم الحسني بتأكيده على ضرورة حراسة النظام الأساسي للحكم عن طريق القضاء، مبيناً أن المقصود بالنظام الأساسي للحكم هو توحيد الكلمة وحكم الناس بالكتاب والسنة بعدل ومساواة، وهذا لا يتحقق إلا بصيانة هذا الأمر وحمايته.
وفي معرض تعليق الأمير فيصل بن مشعل على المداخلات التي تلت تلك المحاضرة، وحول ما ذكره أحد الحضور من ضرورة إحالة المخالفات الصحفية والتجاوزات التي تخص قضايا النشر إلى المحاكم بدلاً عن الاحتكام إلى وزارة الثقافة والإعلام، أشار سموه إلى أن الدولة السعودية دولة مؤسسات، وأن لكل جهاز حكومي فيها آليته وضوابطه في التعامل مع قضاياه، وأن من لم يجد الإنصاف من إجراءات تلك الأجهزة فعليه اللجوء إلى المحكمة الإدارية. وفي تعليقه على تساؤل أحد الحضور عن كيفية الجمع بين النظام الثابت الأساسي للحكم وقوانين العولمة المتحركة والمتغيرة، قال الأمير الدكتور فيصل بن مشعل: إنه أمر بديهي أن يعتقد الجميع بأن مصدر التشريع لدى دولتنا السعودية المتمثل في القرآن والسنة، والمتحقق في النظام الأساسي للحكم، صالح لكل زمان ومكان، وأن هذا الاعتقاد يعد تأكيداً لعالمية الدين الإسلامي وملاءمته لكل عصر، مما يجعلنا نقطع يقيناً بأن التعارض بين التشريع السماوي المحكم والمنصوص عليه، وبين العولمة بأنظمتها المتغيرة أمر لا مشاحة فيه، وليس هناك تضارب إذا تم تجنب ما يخالف الدين وأحكامه، وتبني ما يكون عوناً على انتشار صلاح البشرية بقيم الإسلام السمحة.
وكان اللقاء قد بُدئ بكلمة لرئيس مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للدراسات الفكرية المعاصرة الدكتور محمد بن عبدالله الخضيري، أوضح فيها أن الجمعية نشأت من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة القصيم ضمن هيكل أساسي أقرته وزارة التعليم العالي.
وبين أن أبرز أسباب إنشاء الجمعية هو إظهار ما يتميز به الفكر الإسلامي من ربانية في المصدر ومنهجية في التلقي والاستدلال، وكذلك اعتداء فكر الغلو على المنهج الشرعي الصحيح ومواجهة حملات التشويه ذات المنطلقات الفكرية المنحرفة لتذويب الأصول الشرعية وتفريغ الحقائق العقدية من مضامينها.
وأفاد بأن الجمعية تتبنى تأليف وترجمة الكتب وإعداد الدراسات وإصدار الموسوعات والمجلات المتخصصة والتواصل مع مراكز الأبحاث والمؤسسات العلمية، وتقديم الاستشارات والخدمات ودعم ورعاية الموهوبين وإبرام عقود شراكة بحثية واستشارية مع المؤسسات الحكومية والأهلية في مجالات اهتماماتها وفق القواعد المنظمة في هذا الشأن.