لم يكن "جيم" جدة هو ما أرق المؤرخين الكبيرين حمد الجاسر وعبد القدوس الأنصاري، فالخلاف على رفعها بالضم أو جرها بالكسر، على ما قال بعضهم لا يغير من أصالة التاريخ شيئاً والصحيح أن جدة هي مرفوعة بقلوب أبنائها ومفتوحة لضيوفها، ومكسورة بما أصابها من جراح في محنتها المطـرية . مع هذا وذاك، تتطلع الهيئة العليا للسياحة والآثار إلى رفعها نحو مصاف التراث العالمي، منطقة محمية بموجب الاتفاقية الدولية بشأن حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي التي وضعتها منظمة اليونيسكو 1972 واليوم تشهد جد ة التاريخية انتفاضة عمرانية، يصفها المدير التنفيذي لهيئة السياحة والآثار في المنطقة الغربية محمد بن عبد الله العمري " بأنها من الأهمية بحيث ستجعل من جدة التاريخية قبلة للزوار والسياح. وقد تم تخصيص 50 مليون ريال مبدئياً لتنفيذ المرحلة الأولى من قيمة تكاليف ترميم المدينة التاريخية والذي قدر بنحو 363 مليون ريال حسب مصادر أمانة مدينة جدة. لكن هذا العمل يتطلب تكاتف ملاك المباني التاريخية والجهات المشرفة على التنفيذ، ومن المؤكد يقول العمري إنه إذا لم يؤخذ الطابع الاقتصادي في صيانة وترميم وتطوير جدة التاريخية فلن يكون هناك ديمومة لها، فنحن نرى في العالم الكثير من المباني التراثية التي يتم استثمارها اقتصادياً بشكل مجد، ولدينا تجربة مدينة دمشق التي تحولت مبانيها التراثية إلى نزل وفنادق ومطاعم فخمة، وهناك تجربة القاهرة وأخرى في اليونان، ونحن في جدة نمتلك رصيداً كبيراً من هذه المباني الصالحة للاستثمار، وهي تحتاج إلى ترميم وصيانة، لذلك قامت الهيئة العليا للسياحة والآثار بالتعاقد مع صندوق التسليف السعودي لتقديم قروض من دون فوائد تغطي 50% من تكاليف الترميم والصيانة، ويتبقى بعد ذلك أن يتفق ورثة المباني التراثية ويتركوا الخلافات وراء ظهورهم لاستثمار ما يملكونه والذي سيكون عائده كبيراً. وقال العمري: إن أمين مدينة جدة المهندس عادل فقيه أعلن عن قرب إشهار شركة تطوير وسط جدة التاريخي، والتي ستتولى ترميم المباني حسب المواصفات والمقاييس التي وضعت لذلك، فقط التنسيق بين أمانة مدينة جدة، والهيئة العليا للسياحة ووزارة البلديات على مرجعيات فنية محددة يجب الالتزام بها وفق دراسات معمقة واستعنا بخبرات عالمية، ومعايير ثابتة، بهدف جعل المنطقة متناسقة جمالياً، وتوفير انسجام عام في البيئة العمرانية، فهناك مقاييس ومرجعيات عامة لكل من يباشر العمل في المباني التاريخية، وقد قدمت شركات الكهرباء والماء والهاتف خدماتها إلى المنطقة التاريخية للتخفيف على المستثمرين.


الموقع الفريد

تقع مدينة جدة التاريخية على شاطئ البحر الأحمر في المنطقة الجنوبية للمدينة الحديثة، ويعود تاريخها إلى مئات الأعوام قبل الميلاد على ما يذكره المؤرخون، وقد بنيت بيوتها من الحجر البحري القاسي، واتخذ من شاطئها ميناء في عهد الخليفة الثاني عثمان بن عفان رضي الله عنه، وسكنتها أقوام كثيرة، حيث انتهت بخليط من الأعراق والأجناس من مختلف أنحاء العالم، منذ خرج الناس من خلف سورها، الذي كان يضم 541 أسرة حسب دراسة قام بها محمد يوسف طرابلسي.