هيئة حقوق الإنسان جهاز أوجدته الحكومة وصرفت ومازالت تصرف عليه من المال العام ليبث الوعي بين المواطنين السعوديين بحقوقهم ويحثهم على التمسك والمطالبة بها، ولكي – وهذا هو الأهم – تؤازرهم في المطالبة بحقوقهم وتحميها من أي انتهاك.
ما معنى هذا..؟؟
معناه أن من واجبات الهيئة تبصير المواطن بأن من حقه أن يتوفر في مدينته أحياء مخصصة للسكن تتوفر فيها الشروط اللازمة وأن يكون للمصانع والمستودعات أحياء أخرى، ومن حقه أن تتوفر في هذه الأحياء السكنية شوارع سالكة مناسبة في مداخلها ومخارجها ومساحاتها، وأن أي تعد على هذه الأحياء السكنية أو الشوارع يتعارض مع الأنظمة وينتج عنه قبح أو إيذاء أو تعطيل للحركة، أو تلويث للهواء، أو أي إزعاج بأي شكل، هو في واقع أمره انتهاك لحقوق المواطن، يتعيّن على الهيئة أولاً تنبيه المواطن له، كي يطالب الجهة المختصة في مدينته بإزالته، وإذا لم تفعل ذلك فيجب على الهيئة أن تقف في صف المواطن، وتحمي حقه الإنساني، وتؤازره أمام الجهة المعتدية (فرداً أو جهة) وأمام الجهة المختصة، وتظل واقفة معه مؤازرة له حتى يزول هذا الانتهاك لحقه.
طيب.. إذا كان هذا هو واجب الهيئة، فماذا يمكن أن يقال عنها إذا تأكد أن الهيئة نفسها هي التي تقوم بهذا الانتهاك لحق المواطن..؟؟
الهيئة اشترت أو ربما حصلت – لا أدري – على أرض كبيرة ونفيسة، بأحد الأحياء السكنية في مدينة الرياض على ثلاثة شوارع من ضمنها شارع الأمير تركي الأول، لتقيم فيها مقراً لها، ويبدو أنها اتخذت الإجراءات الأولية لإقامة المقر في الأرض، وأرادت التعريف بذلك فوضعت على زوايا الأرض لوحات كبيرة جداً، مكتوبا فيها بالخط العريض ((مشروع مقر هيئة حقوق الإنسان)).
وإلى هذا الحد والأمر طبيعي ومقبول، بل وجيد، ولكن الذي حدث بعد ذلك أنه بدلاً من أن تشرع الهيئة في بناء مقرها في الأرض ثم تحويلها إلى مستودع خلافاً للأنظمة التي تجعل المستودعات في أحياء خاصة بها وليس في الأحياء السكنية، وهذا المستودع كما نقول ((لبن. سمك. تمر هندي))، أي يضم أشكالاً وألواناً عديدة من البضائع والمخلفات.. صبات خرسانية.. كتل أسمنتية.. أرضيات أرصفة.. رافعات... شاحنات.. شبوك قديمة.. كراتين كبيرة.. جذوع نخل ميتة.. مخلفات بلاستيكية.. لا تندهشوا.. انتظروا.. ستجدون ما هو أغرب.. والأغرب أنه بعد أن امتلأت الأرض عن آخرها بهذه المخلفات تم استخدام أرضية الشوارع، فأحد الشوارع تم (انتهاك) نصف مساره الجنوبي، لهذه المخلفات، والثاني تم انتهاك ثلثيه، أي أن هيئة حقوق الإنسان أو الجهة المخولة منها قد اعتدت على الحي السكني بتلك المخلفات المؤذية التي توجد القبح وتلوث الهواء، وتسبب الإزعاج، واعتدت على الشوارع باستخدامها مستودعاً لتلك المخلفات فأعاقت الحركة، وأوجدت سبباً لوقوع الحوادث. والمشكلة الأكبر أن أغلب تلك المخلفات التي سدت بها الحيز الأكبر من الشوارع هي كتل أسمنتية لو اصطدم بها أحد في الليل في الظلام لحصل ما لا تحمد عقباه.
هل زاد اندهاشكم..؟؟ انتظروا.. وستندهشون أكثر.. فالأكثر والأغرب أن هذه المخلفات التي خصصت لها الهيئة أرضها الواقعة في الحي السكني ليست لها، بل لشركتين كبريين من شركات المقاولات الشهيرة، إحداهما شركة سعودي أوجيه، ولا تسألوني كيف حصل هذا، فالإجابة لا أعرفها.. هل الهيئة أجّرت أرضها على الشركتين وسمحت لهما بهذا الانتهاك الفاضح للحي وشوارعه..؟؟ هل أحد المسؤولين في الهيئة له علاقة بالشركتين بأي شكل..؟؟ هل الهيئة سمحت للشركتين بذلك مقابل أن تقوما ببناء مقر الهيئة مجاناً..؟؟ كل هذا لا أعرفه.. ولكن الذي أعرفه أنه ربما تكون هناك جهة حكومية أخرى تلحقها الشرهة أكثر إذ من المحتمل أن لها علاقة بما حصل وهي الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض.. فاللوحات الكبيرة المنصوبة على زوايا الأرض مكتوب في أعلاها بالخط الصغير.. الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض.. وقد تكون لتلك الهيئة علاقة بشركة أوجيه وربما تكون هي التي توسطت وسعت لتمكين شركة سعودي أوجيه والشركة الأخرى من استخدام الأرض مستودعاً وانتهاك الشوارع لأي سبب من الأسباب.
ولكن ليس هذا هو المهم.. بل المهم أن الأرض مملوكة لهيئة حقوق الإنسان، وهي المسؤولة أولاً وأخيراً عن كل ما حصل.. وهذه الهيئة معنية بالحفاظ على حقوق الإنسان، ومع هذا فهي بكل ما حصل التي انتهكت حقوق الإنسان بهذا الشكل الصارخ.. فبالله عليكم ماذا يمكن أن نقول عن هيئة تم إيجادها والصرف عليها من المال العام لتحمي حقوق الإنسان ثم نجدها هي التي تنتهك حقوق الإنسان..؟؟