"غزال1" .. هو اسم يفتح الأبواب أمام آفاق جديدة في عالم الإبداع والصناعة المتطورة، فهو اسم أول سيارة أنتجت بأيدي وخبرات سعودية خالصة .. والسيارة التي دشنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود أول من أمس هي مشروع التخرج لطلبة كلية الهندسة في جامعة الملك سعود بالرياض، وهي نموذج اختباري لسيارة رباعية الدفع تلائم مناخ وتضاريس دول الخليج، بمعايير صديقة للبيئة . وقد شارك في المشروع 55 طالباً، بمساعدة شركتين إيطاليتين هما شركتي "StudioTorino" و"Magna Steyr" .

وتتميز السيارة وهي تنتمي إلى فئة الدفع الرباعي بالعديد من المميزات الخاصة التي تجذب دوماً عشاق سيارات الدفع الرباعي فيبلغ طول السيارة 4.8 متر وعرضها 1.9 متر، وتم بناء هيكلها على قاعدة عجلات ومحرك خاص بسيارات مرسيدس من فئة G-Class، ولم يتم تغيير المواصفات الأساسية للإطارات والأجزاء الميكانيكية وخطوط التصميم الأساسية . والسيارة معدة للاستخدام على جميع الطرق والتضاريس حتى في الظروف القاسية، بينما توفر المقصورة الداخلية الراحة للركاب من خلال نظام عزل يفصل بين الركاب و أجواء الضوضاء الخارجية في المدن والطرق الخارجية الوعرة.

وعلى الرغم من أن السيارة لم تخرج فكرتها عن كونها مشروع التخرج لطلاب كلية الهندسة إلا أن أستاذ الهندسة الصناعية في جامعة الملك سعود الدكتور سعيد درويش يرى إمكانية تصنيعها على المستوى التجاري لتدخل المنافسة في سوق سيارات الدفع الرباعي بقوة . وسبق أن أكد أن هناك خططاً تسويقية طموحة جاهزة ل"غزال-"1، وتشير الدراسات إلى أنه ينبغي استثمار 400 مليون يورو لإنتاج 20 ألف وحدة سنوياً من هذه السيارة على مدى ثلاث سنوات. وقد نجح طلاب كلية الهندسة في انجاز مشروعهم في زمن يعد قياسيا بشكل نسبي حيث بدأ المشروع في إبريل 2009 .

وكان أول إعلان عن السيارة في مطلع العام الهجري الجاري بالكشف عن النموذج الاختباري للسيارة في معرض جنيف الدولي للسيارات في سويسرا .

وفور ظهور السيارة السعودية الجديدة حظيت باهتمام واسع في الأوساط الإعلامية العربية والأجنبية خاصة المهتمة بشؤون السيارات , ووصف موقع "اوتو جاليري" "غزال- 1" بأنها إنجاز للعالم العربي والإسلامي بظهورها بين 100 سيارة جديدة يكشف عنها للمرة الأولى ضمن فعاليات المعرض الذي يقدم آخر الابتكارات والتصاميم في عالم السيارات بمشاركة 1000 شركة عالمية. وأشار الدكتور درويش إلى أنه تم توجيه الطلبة بعدم تغيير المواصفات الأساسية الأصلية لقاعدة العجلات والعناصر الميكانيكية مع إتاحة الحرية الكاملة لهم للابتكار في باقي العناصر للوصول لإنجاز سيارة جديدة كلياً وكان الأساتذة المشرفون على المشروع -وبعد بحث وتحليل طويل للمواصفات الميكانيكية- اختاروا

ميزات الأداء القياسية لسيارة مرسيدس جي كلاس ما يؤمن للمركبة قوة الهيكل والأداء الممتاز . وأشار الدكتور درويش إلى أن الهدف النهائي والأساسي لجامعة الملك سعود من هذا المشروع هو الارتقاء بثقافة صناعة السيارات وتدريب

المهندسين الشباب على الاشتراك في الأبحاث والتطوير باستعمال تقنيات تصميم المركبات وأحدث التقنيات المتوفرة لأفضل الصانعين على مستوى العالم،كما أن المشروع سمح بالتبادل المعرفي بين عدة ثقافات على المستويين الأكاديمي والصناعي حيث تم التعاون مع (ماجنا ستير) وهو استوديو متخصص في التصاميم الهندسية في مدينة تورينو الايطالية .


دقة التنفيذ

تم وضع جدول زمني لمختلف مهام المشروع الأساسية وهي مرحلة التهيئة ومرحلة تصميم المظهر الخارجي والداخلي ومرحلة التصميم الهندسي والاختبارات ومرحلة تصنيع وتجميع السيارة الأنموذج . كما تم إعداد معرض مصغر لسيارة تم تفكيكها بهدف تدريب الطلاب على تصميم وتصنيع واختبار أجزائها المختلفة.

ففي مرحلة تصميم المظهر العام للسيارة تم وضع تصاميم للمظهر الخارجي والداخلي للسيارة ابتداءً بالرسومات اليدوية وكذلك باستخدام الطرق والبرامج الحاسوبية الهندسية المناسبة ودراسة مدى إمكانية تنفيذ التصاميم المقترحة واختيار التصميم المناسب بناءاً على البنية الهيكلية المتوفرة من الشركة الخبيرة التي وقع عليها الاختيار. وينقسم تصميم المظهر إلى قسمين: الأول: التصميم الخارجي لشكل السيارة. الثاني: التصميم الداخلي لشكل السيارة.

وقد تم استخدام ساشية فئة ج (G-Class)من شركة ديملر بعد دراسة ذلك ومناقشته مع الشركة الخبيرة. وتعتبر من أفضل أنواع الشاسيه في العالم لتميزها بقوة التحمل والاستخدامات المتعددة. كما تم تصنيع نماذج للشكل الأساسي لمظهر السيارة في نهاية مرحلة التصميم الخاص بالمظهر الخارجي والداخلي وتصنع تلك النماذج غالبا من الجبس أو مواد فايبر قابلة للتشغيل على مكائن التحكم الرقمي

وفي مرحلة التصميم الهندسي والاختبارات تم إجراء اختبارات محددة على أجزاء السيارة الداخلية ومن ثم يتم اقتراح التعديل المناسب على المظهر الخارجي والداخلي وإعادة اختبارات للتأكد من تحقيق المعايير المطلوبة سواء كانت معايير مواصفات وقوانين أو معايير هندسة العوامل البشرية أو معايير الأمان والسلامة.

وتم التعامل والمحاكاة لكافة أجزاء السيارة بناء على التصميم ويمكن تصنيف المهام الأساسية لهذه المرحلة إلى ما يلي:

1. تحديد النقاط غير القابلة للتغيير في الشاسيه وإجراء كافة الاختبارات (95 اختبار) عليها.

2. بناء أنموذج التصميم بنظرية العناصر المحددة للتأكد من المواصفات التصنيعية المعتبرة في التصنيع وتعديلها إذا تطلب الأمر للوصول إلى التصميم المناسب هندسيا.

3. مرحلة اختبارات الصدم حيث تتطلب هذه المرحلة إجراء 300 اختبار على محطة عالية المعالجة كلستر كمبيوتر.

ومن أهم تلك الاختبارات اختبار التصميم ضد حوادث الجمال نظرا لما تحدثه حوادث صدم الجمال من إصابات مميتة خاصة على طرق المملكة فقد تمت دراسة تلك الحوادث بطريقة مبتكرة ومدى تأثيرها على المركبات ليتم العمل على تحسين مواصفات الأجزاء الأكثر تعرضا للتلف أثناء التصادم.

وتشمل مرحلة تصنيع السيارة الأنموذج نشاطين أساسيين التصنيع للأجزاء والتجميع المرحلي والنهائي لجسم السيارة ولإعداد الورش والأجهزة المساندة لعملية التصنيع فقد تم التركيز على العدد والتجهيزات الأساسية في هذا الجانب كما سبق الحديث عن ذلك. وتعتمد هذه المرحلة على تخطيط عمليات التصنيع المختلفة والتسلسل المنطقي لها وهي تثبيت الشاسية وموازنتها باستخدام أجهزة قياس الإحداثيات والقيام بعمليات القص اللازمة لتسوية الشاسية وتجهيز القوالب الخشبية وتصنيع وتهيئة أجزاء السيارة وطلاء السيارة الأنموذج وتجميع الأجزاء والإكسسوارات. وتم التصنيع للأجزاء باستخدام ألياف الكربون وهي مواد تتألف من ألياف دقيقة للغاية وتتكون في معظمها من ذرات الكربون.


تأسيس ثقافة صناعية

ويقول الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الأحمري

بدأ مركز نقل تقنية التصنيع العمل في مجال تصميم وتصنيع تقنية السيارات قبل أكثر من عامين. وتمت زيارة عدد من الدول الصناعية المتقدمة في أوروبا (ألمانيا والنمسا وإيطاليا) ودول شرق آسيا (ماليزيا والصين وكوريا). حيث تبين من تلك الزيارات أن مراكز البحث والتطوير والجامعات في تلك الدول تقوم بدور أساس في مجال البحث والتطوير على تصميم وتصنيع واختبار المركبات وتقوم أيضا بدور مهم في معالجة المشكلات التي تواجه المصنعين وخطوط الإنتاج المتعلقة بهذه التقنية.

وعملت الجامعة على تأسيس نواة للمختبرات والتجهيزات المهمة لتقنية التصميم والتصنيع في مجال البحث والتطوير في تقنية السيارات والتقنيات الأخرى المشابهة.وفي إطار عمل المركز ولضمان إدخال هذه المعرفة والتقنيات إلى جيل المستقبل بأفضل الطرق فقد تم ذلك أيضا تحت إشراف خبراء عالميين في تصميم وصناعة السيارات وهم شركة مجنا إيطاليا. وذلك للخبرة التاريخية الطويلة للشركة في مجال تصميم وتصنيع واختبار السيارات وارتباط عدد من مصنعي السيارات البارزين بها ووجود فروع عديدة لهذه الشركة في عدة دول وارتباطها بالعديد من مراكز البحث والتطوير. فكان هناك التدريب المكثف للطلبة وللعاملين في المشروع على أحدث برامج التصميم والتصنيع حيث تم التدريب محليا على برامج التصميم من قبل خبراء من جامعة قراز في النمسا. كم تم أيضا تنفيذ التدريب الخارجي لعدد من طلاب الكلية خلال الإجازة الصيفية في شركة مجنا إيطاليا.

وقد تم تشكيل فريق عمل لمركز نقل تقنية التصنيع من كلية الهندسة ليتولى مهام التنفيذ والتنسيق والتدريب لنقل تقنية تصميم وتصنيع المنتجات الإستراتيجية مثل تصميم وصناعة السيارات إلى المملكة و بناء خطة توضح فيها كافة الخطوات اللازمة والموارد المطلوبة لهذا الغرض.



من أهداف المركز

1. تدريب وتأهيل جيل من المهندسين قادرين على التعامل مع التوجهات المستقبلية للصناعة السعودية.

2. القيام بنشاطات بحثية في التصميم والتطوير والاختبارات للتقنيات المتقدمة في مجال المنتجات الإستراتيجية الوطنية.

3. المساعدة في إيجاد خبرات لتصميم وصناعة المنتجات الإستراتيجية في متناول المستثمر المحلي.

4. توثيق روابط التعاون مع الصناعة وحل مشاكل الصناعات ذات التقنيات المشابهة بإجراء الاختبارات وسد احتياجات التدريب.

5. تشجيع الشباب الناشئ في مواصلة العمل في مجال هندسة تصميم وتصنيع المنتجات الإستراتيجية، وتقديم النصح اللازم لهم وتوفير المعلومات والدعم المطلوب.

6. تبادل التقنيات الجديدة والرائدة مع المراكز العالمية المتقدمة.





دقة التصميم الهندسي


تعمل جامعة الملك سعود من خلال العديد من المبادرات والمشروعات النوعية على المواءمة بين خطط التنمية في المملكة ومواكبة التقدم العالمي في مجالات المعرفة والتقنية المختلفة. وتقوم الجامعة بدور أساسي في الإسهام في بناء مجتمع المعرفة والاستثمار في الاقتصاد المبني على المعرفة من خلال برامج التعلم والتطوير المختلفة التي تقدمها مراكز متخصصة في الجامعة. ويأتي مركز نقل تقنية التصنيع كأحد أهم اللبنات في البناء المعرفي لجيل المستقبل من خلال تركيزه على التقنيات الإستراتيجية المتقدمة وتنفيذ مشروعات طموحة وأساسية للتنمية في المملكة. وقد تم تنفيذ أول مشروعات المركز في مجال تصميم وتطوير سيارة سعودية بمساعدة شركة خبيرة في هذا المجال. وقد حقق هذا المشروع الأهداف التي نفذ من أجلها وأثبت الطالب والمهندس السعودي أن لديهما القدرة على فهم التقنيات الحديثة واستيعابها بأسرع الطرق وممارسة العمل عليها بحرفية عالية. كما يعتبر إيجاد المناخ المناسب والإمكانات الضرورية لمهندسي المستقبل من أهم مراحل مشروعات نقل المعرفة والتقنية واستنباتها محليا.

فمن خلال برنامج كراسي البحث وبرنامج الاستقطاب وبرنامج التوأمة العالمية تجسد إنجاز جامعة الملك سعود في تصنيع السيارة (غزال 1)، ومن خلال برنامج التوأمة استطاعت الجامعة أن تعمل مع جامعة قراز في النمسا ومع جامعات أخرى ذات علاقة بتقنيات السيارات ، ومن خلال برنامج الاستقطاب تمكنت الجامعة من استقطاب باحثين من مختلف الدرجات العلمية يحملون شهادات عالمية في تخصصات هندسية ترتبط بتقنية تصاميم وصناعة السيارات . ومن خلال موارد الجامعة الذاتية استطاعت أن تكسب إلى جانبها بيت خبرة عالميا في صناعة السيارات ممثلا في شركة ماجنا شتاير الإيطالية التي لها أكثر من 89 فرعا في العالم في صناعة وتقنية السيارات ، فضلا عن البنية التحتية لكلية الهندسة بالجامعة التي احتضنت مركز التصنيع المتقدم باشتراك تخصصات الهندسة الصناعية والهندسة المكانيكية والهندسة الكهربائية وطلاب الدراسات العليا وطلاب المرحلة الجامعية بتوجيه عدد كبير من مشاريع التخرج لمهندسي المستقبل وتوجيهها نحو تقنية السيارات. وقد استوحت الجامعة الاسم كون الغزال يعيش في البيئة المحلية ويمتاز بجمال الشكل والخفة والانسيابية والسرعة . والملاحظ أن الشكل الخارجي لمقدمة السيارة استوحي من الغزال .