وقف الغزالي أبو حامد في كتابه "المنقذ من الضلال" أمام ظاهرة النوم والوعي واليقظة. فهل النوم هو حالة للنفس كاملة ستنتقل لها الروح بعد الموت. وما الذي يجعلنا نجزم أننا في حالة الحياة واليقظة ولماذا لا نكون في حالة نوم مختلفة؟

إن أحدنا في المنام يعاني من امتلاء في المشاعر بل كل المخاوف من ألم وخوف واختناق وعدم القدرة على جر رجليه وهو يحاول الهرب بل الحديث بل المشي أحيانا بدون أن يشعر بل حالات الحب الوجدانية بل الجماع المستغرق عفوا فهي حقيقة لا مجال لإنكارها. وكثير هي حالات التحرر والطيران بدون أجنحة، وأظن أن هناك الكثير ممن يراها في المنام.

يقول الغزالي لماذا لسنا في نوم من نوع مختلف وليس ثمة من وعي وحقيقة فدخل الشك ولم يخرج منه إلا بعد عشر سنين ليكتب الإحياء وأجمل كتبه المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلال. ثلث حياتنا تمضي في النوم وثلث في اللهو وثلث في الطعام والعمل والاستغراق فلا يستيقظ الإنسان إلا على صدمة الموت فينتهي. من هنا حاول الفلاسفة والصوفيون اعتبار أن اللحظات التي يعيشها الإنسان أثمن من كل كنز قبل أن يدعو داعي الرحيل.

في عام 1924 م استطاع طبيب ألماني هو هانس بيرجر أن ينتبه إلى دراسة كهرباء الدماغ فعمد إلى صبي لف رأسه بلفافة فضية أوصلها بأسلاك كهربية ثم بدأ بالإصغاء إلى ما يقوله الدماغ. ولدهشته فقد اكتشف أن الدماغ بحر لجي تتكسر أمواجه على شواطئ الجمجمة فنسمع طرفا من موسيقاه الخفية. ثم اكتشف أن هذه الموجات شتى فمنها البطيء ومنها السريع على أربعة أنغام ألفا وبيتا وتيتا وأخرى.

ولكن الأعجب هو ما اكتشفه الأمريكي ناثانيل كلايتمان ومساعداه أويجن أسيرنسكي وويليام ديمنت عام 1953 م عن حركة عجيبة للعينين سريعة وفي لحظات بعينها مع أجفان مغلقة وكأن النائم يحدق في شيء حيث لا يرى أو يبصر سموها الريم مختصرة عن ثلاث كلمات (REM = rapid eyes movment) ثم قام العلماء بمقارنة مخطط الدماغ الكهربي مع حركات العينين السريعة ليميطوا اللثام عن عالم جديد نعيشه هو عالم النوم. فقد كنا نظن أن النوم هو راحة للدماغ وأن النوم لا يعني الحلم لكل واحد وأن الدماغ ينام على نحو واحد من الغيبوبة وتبين أن الثلاثة خطأ.

فالدماغ يعمل وهو في النوم سوى أنه يحول نشاطه من مستوى لآخر مثل من كان يركض فبدأ يتسلق الجبال.

والحلم هو حقيقة لكل الناس ولو لم ير البعض أحلاماً وهي ميزة لكل الكائنات بما فيها القطط. وثبت أن أعظم عذاب للإنسان هو حرمانه من النوم. وهو ما روي عن حسن الهضيبي أنه تعرض لتعذيب من هذا النوع على يد الجلادين. ولم ينجه سوى نومه المتقطع مع وقت تبديل جلاد لآخر.

وثبت ثالثاً وهو العجب أن الدماغ يسبح في النوم في معارج منوعة مثل من يمشي في معرض من جناح لآخر.

والقصة على الشكل التالي فنحن حينما ننام ندخل في دورات حوالي أربعا أو خمسا في كل ليلة.

وعندما ندخل النوم ننحدر بسرعة ويمسك بنا العمق وكأنه الموت وهو ما عناه القرآن: الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها.

وفي الدورة الأولى يكون النزول إلى قاع اللاوعي حادا وطويلاً خلاف الدورات الأخرى التي تقصر فيها هذه المرحلة القريبة من القاع والموت. وعندما يخرج الإنسان من الدورة الواحدة يحصل أعجب الأمور وتماما مع نهايتها حيث يدخل في مرحلة الحلم وهي تستغرق في العادة من عشر إلى عشرين دقيقة تتكرر مع كل دورة وفيها تتحرك العينان وينتصب القضيب عند الذكور بدون أحلام جنسية وفيها تسبح الروح فترى عالماً جديدا وكأن حركات العيون هي بحث عما افتقدته في النهار لتجده في ظلمات المنام.

وبعد أربع إلى خمس دورات يكون الإنسان قد حلم أكثر من ساعة ولكن من يتذكر هو من يوقظ أو يستيقظ لفترة قصيرة بعد المنام في فترة لا تزيد عن عشر دقائق.

وأنا من النوع الذي يرى المنامات بكثرة خلافا لمن حولي ليس لأنهم لا يرون بل لأنهم يستغرقون في النوم فتفوتهم هذه الرؤى المدهشة التي تحفظها الذاكرة.

ومن آياته منامكم بالليل والنهار إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون.