رفضت البيئة الأولى لمسرحية "قصة حديقة الحيوان"، وهي نيويورك، هذا العمل، إذ لم تناسب الذوق السائد حينها في مدينة التحولات وأمزجة أصحاب مسارحها الكبرى. برلين احتضنتها عام 1959، ومن بعدها خاضت المسرحية في مياه عشرات المدن حول العالم، لتحط اليوم في دمشق، التي لا تشبه نيويورك، أو برلين، لكن شبابيك المدن مفتوحةً على هواء واحد سيؤدي بالإنسان إلى مكابدة الآلام نفسها. ولا فرق بين نوافذ ناطحات السحاب ونوافذ بيوت دمشق التقليدية، فالتحولات التي يدعي مهندسوها أنها مخططة، ستجرف الإنسان عشوائياً، والحداثة ستطرح سؤالها بسرعة أكبر من استيعاب معظم البشر الذين يلهثون وراء بريقها.
"قصة حديقة الحيوان" هي قصة فادي (الممثل رأفت الزاقوت)، الذي يحمل ذاكرة تشبه الخيال، أو الكذب، مع تفاصيل من غرفته في شقة مشتركة في حي (جرمانا، ويحمل قصة الجارة وكلب الجارة، والجار المنشغل بـ"نتف حاجبيه". فادي يخفي سكيناً في جيبه؛ أما صلاح (الممثل زهير العمر) فيعيش الفراغ والانتظار؛ متزوج ولديه ابنتان وقطة وعصفوران، ويعمل مدققاً لغوياً في دار للنشر.
صلاح يقضي مساء كل جمعة في الحديقة، لكن فادي يهاجمه ثلاث مرات في هذه الجمعة: بحكايته عن قصة حديقة الحيوان (حيث الحيوانات مفصولة عن بعضها في أقفاصها، وبدورها مفصولة عن الناس خارج الأقفاص)، الهجوم الثاني لفادي عبر مقولته المتكررة "من أراد معرفة تفاصيل الدروب الصغيرة عليه أن يمشي الدروب الطويلة"، أما الهجوم الثالث فيأتي عبر استفزاز صلاح بكلام جارح، حتى يستثيره ويدعوه للشجار، ليصل الأمر إلى حد قذف صلاح بسكين، ثم الالتحام به انتحاراً. وكأن المسرحية تعرض حلاً لمشكلة فادي بالانتحار قتلاً (على يد صلاح ظاهرياً)، وحلاً لمشكلة الملل والانتظار التي يعيشها صلاح، بالوقوع فريسة لاستفزاز فادي والمبادرة إلى فعل، أو رد فعل، يبدو عملياً أفضل من حالة الاستكانة المؤبدة.
والمسرحية تطرح على مشاهدها السؤال: هل سيعود صلاح إلى "مقعده" في الحديقة بعد ظهر الجمعة القادم ليقرأ سطوراً جديدة من كتاب؟.