من أطرف ما قرأت مؤخرا تبرير لأحد الأكاديميين السعوديين (يحتل مركزا قياديا ضمن الصف الثاني في جامعته) حول ازدواجيته في أسلوب كتابة (المقال الشتائمي الساخر) في صحف الإنترنت بين جمهوره القبلي والطائفي، وما كان يكتبه في زاوية صحفية سابقا، حيث يقول سعادة الكاتب (المبدع): إن ما يكتبه من شتائم طائفية وقبلية في عدة صحف ومواقع إلكترونية تحت صفة (مقال جريء وساخر) موجه لجمهور الإنترنت فقط، ولا يمثل "رزانته العلمية" التي يكتب بها مقالا موجها لجمهور صحيفة ورقية أو ما يطرحه في محاضراته على طلابه..!.
وبالطبع فسعادة الكاتب/الأكاديمي الذي يضع شعار قبيلته المستعمل في (مسابقات مزايين الأبل) صورة تعبيرية في صحفته على "الفيس بوك"، اضطر لهذا التبرير (الأقبح من الذنب)، بعد أن كشفه أحد المدونين المشهورين في المملكة، حيث طرح المدون عدة أسئلة حول وجود أكاديميين بهذا المستوى الفكري في جامعاتنا منها (ماذا يقول الدكتور لطلابه في الجامعة وهل يحثهم على التعبير عن آرائهم عبر استخدام السب والشتم؟).
أما تفسيري الشخصي لمثل هذه الازدواجية، فإن الأمر لا يعدو كونه محاولة من بعض المهووسين بالتصفيق وصيحات جماهير القبيلة والطائفة في الإنترنت والمجالس العامة، للحضور بمظهر البطل (الطائفي/ القبلي)، حيث يعتقد هؤلاء أن جلب المريدين لن يكون إلا بهذا الطرح، فلا مانع لدى أحدهم أن يكون الأكاديمي الرزين داخل الأساور الأكاديمية والبطل الشعبي الذي يخلع عباءة العلمية والموضوعية عندما يخرج من باب الجامعة أو العمل الرسمي ـ إيا كان ـ ليكون شيخا (طائفيا/ قبليا)، وبالتالي يفوز بـ"الحسنيين" الرداء الوقور المتزن للأكاديمي و"الشعبية" في أوساط البسطاء الذين يرونه قائدا يدافع عنهم..!!.
أردت من إيراد هذا النموذج الواقعي الإجابة على تساؤل يطرح منذ سنوات مفاده: لماذا تزايد الطرح الطائفي والقبلي في مجتمعنا خلال السنوات الأخيرة؟.
فالجواب في نظري يكمن في أن الميدان أصبح مفتوحا لكل من يريد استعراض العضلات اللفظية، حتى وإن كان عن طريق المجموعات البريدية التي يتنادى أصحابها لـ"الهياط" والشتائم بشكل مخيف وكأنها فتوحات لا يشق لأصحابها غبار مع العلم أن أبطالها ـ كالسابق ذكره ـ قد لا يفرقون بين التاء المربوطة والهاء في آخر الكلمة..!.
باختصار.. في ظل الأوضاع الملتهبة التي تعيشها المنطقة العربية، لن تستقيم الأمور ونتجنب منزلقات الشحن الطائفي والقبلي، إلا بوجود حماية قانونية لمكتسبات الوحدة الوطنية، من خلال قوانين واضحة تجرم أي لعب بالعواطف أو تجييش طائفي وقبلي تحت أي ستار، حتى وإن كان عبر وسائط غير رسمية، فما دام الأمر موثقا بالاسم الصريح، فلا عذر في اتخاذ إجراءات رادعة تحمي الوطن من عشاق الهتافات الجماهيرية!