أينما ولينا وجوهنا شطر المشرق أو المغرب فمظاهرات الشعوب واحتجاجاتها ومطالباتها السياسية والحقوقية تتأجج في كل مكان حولنا؛ من إيران والبحرين والعراق شرقا إلى اليمن وعدن جنوبا إلى ليبيا والجزائر والمغرب في شمال أفريقيا إلى السودان جنوبها! وكأن منطقتنا تغلي وتمور على سطح صفيح ساخن من المظاهرات والانتفاضات المستنسخة من بعضها البعض، والمتشابهة في التفاصيل والمراحل؛ بل وحتى التنازلات وتصريحات الإصلاحات التي تأتي دوما متأخرة! وكل محاولة للقمع والعنف تسهم في رفع سقف المطالب أكثر من الإصلاح للتغيير، ومع كل قطرة دم مسفوحة وروح بريئة مهدرة ترتفع حدة الأصوات وتصلب العزائم وتقوى الإرادة الشعبية! تسونامي المظاهرات ومدها الكاسح يجتاح كل مكان، والفضائيات الإخبارية المتعددة المشارب والمختلفة التوجهات تشمر عن ساعديها وتشحذ أدواتها لتحاول وضعك في قلب الحدث الملتهب، بينما تجتهد بعض الأنظمة القمعية في إبعاد الصحفيين والإعلاميين ومنعهم من التغطية وأحيانا إيذائهم وسجنهم؛ وبالتالي إثارة الرأي العام العالمي ضدها! وكل قناة إخبارية حسب توجهاتها وسياستها الإعلامية التي ترتفع التهابا وتأججا عند حدث ما.. في بلد ما؛ أو تنخفض تجاهلا؛ أو تغطية من (باب رفع العتب) تارة أخرى في حدث آخر مشابه! وإن لم تأتك القنوات الإخبارية العربية بما يشفي غليلك ويوضح أبعاد الصورة كاملة، فعند القنوات الغربية من أمثال CNN وBBC ستجد الخبر اليقين والتفاصيل الشافية الوافية! لتكمل مقاطع الفيديو على اليوتيوب، والمواقع الإلكترونية لصحف بلاد "ما وراء البحار"، والإيميلات وملصقات "الفيس بوك" وروابط "التويتر" باقي المهمة! وسوق الحدث والخبر والصورة في رواج وارتفاع مطرد؛ فيما ترشحه الأوضاع العربية المضطربة، والشعوب المرهقة من الفقر والبطالة والفساد والقمع وغياب العدالة الاجتماعية والديموقراطية؛ وانعدام حرية التعبير للمزيد والمزيد من الرواج والارتفاع!
الأخبار تتدفق من كل حدب وصوب، وصورة واحدة لجثة منتهكة أو جمجمة مهشمة، أو جسد عاث فيه الرصاص أو التعذيب كافية لتعريفك بالجانب المُتجاهَل من الخبر؛ وكافية أيضا لسرقة النوم من عينيك! عيون الشهداء الأبرياء ودموع أمهاتهم الثكالى تلاحقك؛ وصوت صحفية شجاعة تتحدث في مؤتمر صحفي وصوتها يتهدج ألما ومعاناة يكاد يصم أذنيك؛ وهو يصف مشاهداتها وسقوط الضحايا الأبرياء أمام ناظريها وحبها لوطنها الصغير وخوفها عليه من التشرذم ومحاولات التفتيت الطائفي! بينما تلهث وأنت تنقل الخطى مع ريموتك من قناة إلى أخرى لترى وتحكم أيهم أتقن عملا وأوفى تغطية، ولا عزاء لإعلام التجاهل عن تغطية كافة جوانب الصورة!
إعلام ينفض عن نفسه غبار الصمت ويتحدث عن المسكوت عنه بجرأة وصراحة ليتحول إلى سلطة رابعة هو ما نحتاجه اليوم في عالمنا العربي السعيد!