الأعصاب الإنسانية عجيبة التركيب تتصل ببعضها بواسطة محاور تنقل الكهرباء وتتفرغ عند النهايات بمادة كيماوية قدرت بما لا يقل عن أربعين مركبا مثل لغة بأربعين حرفا..
والدماغ الإنساني مركب على ثلاث طبقات من العقل في الدماغ الجديد أي الفصوص الكبيرة، وأسفل منها في الدماغ المتوسط مركز العواطف، وفي الأسفل نشترك نحن والقطط والزواحف في ميزة البنية الأساسية للحياة من التنفس وضربات القلب والتناسل والعطاس والبلع وإفراغ محتويات البطن والمثانة؛ فكلها تنظم في أسفل الدماغ ويسمونها مركز الحياة.
هذه المقدمة تقودني إلى محاولة فهم غضب الإنسان وانفعاله ومحاولته التغيير والتمرد على قاهريه ومعذبيه وسارقيه.
لقد جاء الأنبياء في التاريخ من أجل تشكيل أمم تؤمن بالتغيير السلمي، ولكن وبسبب العواطف فإن العقل يضيع في غمرة الأحزان والآلام.
وهذه تتحكم فيها ـ كما ذكرت ـ العواطف.. فالعواطف وقود آلة العقل كما في وقود البنزين في السيارة وكهرباء السيارة من الدينمو والبطارية، هنا الدماغ وهناك العواطف وما تبقى من السيارة هو الدماغ السفلي فلا يفرق بين كائن وآخر إلا بفروق زهيدة.
وحين أقرأ في التاريخ عن انحرافات ومصائر من وراء قصة حب أدرك تماما معنى العواطف ودورها في القرارات.
وأمام هذا الجدل المحير في علاقة الثلاثي الغرائز ـ العواطف ـ العقل يفهم الإنسان طرفا من السلوك الإنساني.
فمثلا البوعزيزي في تونس أحرق نفسه، ولم يتصور أبدا أن هذا العمل كان عود الثقاب الذي سوف يحرق دولة بأكملها وتمتد منها لأخرى كما رأينا في تونس ومصر في شتاء 2011م، وأظن أن درهم وقاية خير من قنطار علاج وأظن أن أمثال ذلك الشاب يمكن كسب قلوبهم بثمن بخس.
وما يهمني في هذه الأحداث الجسام في الأيام الحبالى بالأحداث أنها تمت بطريقة جديدة لم يعهدها العرب من قبل، أي حمل الكفاح بآلة السلم واللاعنف.
هذا الأسلوب الحضاري المهذب يقود إلى أفضل النتائج بدون دماء وإذلال بل سلام قولا من رب رحيم. وهو تطور في أقدار الأمم يشرح نضجها من عنفها، ويشرح لنا لغز الآيات الست من سورة المائدة لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين..
وفي الوقت الذي يعترض الناس وسلميا يرتاح الجميع السلطة والشعب، ولكن كل الخوف هو من اندفاع الرعاع والدهماء إلى سوق البلد فيحرقون وينهبون ويكسرون ويخربون، وهو ما يعضل حركات التغيير السلمي، آية للمتوسمين وموعظة للغافلين ..
سلام قولا من رب رحيم...