تُعد خدمات الصرف الصحي أحد مؤشرات تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي يقيس مستوى التطور والنمو في دول العالم، وقد قطعت المملكة مرحلة متقدمة في إنشاء وتمديد شبكات الصرف الصحي في كافة مدن المملكة، ومؤخرا صدر قرار مجلس الوزراء الموقر بشأن "إلزام مُلاّك جميع الأراضي البيضاء غير المخططة - عند رغبتهم في تخطيط أراضيهم - بتمديد شبكة الصرف الصحي، وإيصالها إلى القطع وربطها بالشبكة العامة للصرف الصحي، وتنفيذ الشبكة ووسيلة معالجة مياه الصرف الصحي للأراضي التي لم تصل إليها الشبكة العامة للصرف الصحي".

 هذا القرار يحمل أهمية خاصة كونه يعالج مشكلة معقدة تلقي بتبعاتها السلبية على استكمال الخدمات في المدن، فالتأخر في تطوير الأحياء السكنية الجديدة يعوقه غالبا تأخر تنفيذ شبكات الصرف الصحي، فالبلديات تَتذرع عند تأخرها في استكمال تنفيذ الأعمال البلدية في الأحياء والمواقع السكنية الجديدة بعدم وصول شبكة الصرف الصحي. والواقع أن هذا القرار يأتي استكمالا للجهود التي تبذلها الدولة في التنمية الحضرية الشـاملة ويُؤسس لرؤية جـيدة في التنفيذ تقوم على التدرج وعدم استباق المراحـل خاصـة عند استحضار سـلبيات تخـطيط وإنشـاء الأحياء السكنية في المرحلة الماضية.

 غير أن القرار جاء مُجملاً وعاما ولم يتناول بالتفصيل الدور الحكومي في هذا الموضوع، فالمعروف أن خدمات الصرف الصحي تندرج ضمن الخدمات الأساسية التي تتكفل الحكومة بتوفيرها للمواطنين، فمخصصات قطاع المياه والزراعة - التي تشمل توفير خدمات الصرف - في ميزانية المملكة لهذا العام بلغت ستة وأربعين مليار ريال بزيادة 30 بالمئة عن مخصص العام الماضي، وهو ما يطرح تساؤلات عن تفاصيل هذا القرار وآليات تطبيقه ومواصفات واشتراطات التنفيذ، فإلزام مُلاك الأراضي بتمديد شبكة الصرف الصحي وفق مواصفات معينة يعني إضافة تكلفة جديدة إلى قيمة الأرض، ومن الطبيعي أن ملاك الأراضي لن يستقطعوا هذه التكلفة من أرباحهم وإنما سيضيفونها إلى قيمة الأرض ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، بل إنه سيؤدي إلى تفاقم ارتفاع أسعار الأراضي مع ما تحمله هـذه الظاهرة من أبعاد اقتصادية واجتماعية وخدمية، فارتفاع أسـعار الأراضـي يؤدي إلى زيـادة تكـاليف المعيشـة ويـؤثـر سـلبا في النمـو الاقتصـادي ويتســبب في ارتفاـع الإيجارات.

وبدلا من أن يكون هذا القرار مُوجهاً لمصلحة المواطن ورفاهيته وتوفير الخدمات الأساسية له يمكن أن يتحول إذا لم تتوفر له الآليات التنفيذية الجـيدة إلى عـبء تقع تبعاته على الاقتصاد المحلي والتنمية البشرية. 

 إن الإسراع في إعلان تفاصيل هذا القرار وتوضيح الدور الحكومي في تكلفة تمديد شبكة الصرف الصحي للمخططات الجديدة، سيحول دون تسجيل ارتفاعات جديدة في أسعار الأراضي وربما يؤدي إلى خفض الأسعار الحالية التي أصبحت عائقا دون تملك المواطنين أراضي سكنية مناسبة، وإذا كان من الواضح أن وزارة الشؤون البلدية تقف خلف هذا القرار بحكم أن تخطيط الأحياء واعتمادها يدخل ضمن مهام هذه الوزارة، فإن على وزارة المياه والهيئة العامة للإسكان الدخول في مناقشة تفاصيل القرار والمشاركة في إقـرار آليات تنفيذية تضمن عدم تحميل المواطن/ المشتري تكلفة تمديد شبكات الصرف الصحي، وتساعد في وضع مواصفات واشتراطات عالية للتنفيذ تحول دون حدوث عيوب مستقبلية تؤثر على الأحياء السـكنية وربما تتسبب في كوارث يصعب التنبؤ بها. إن أهم محددات التخطيط الاستراتيجي للمناطق والأحياء السكنية تكمن في التنفيذ المتقن للبنية التحتية التي يشكل الصرف الصحي عمودها الرئيس، والقرار بشكل عام يساعد وزارة الشؤون البلدية والهيئة العامة للإسكان للوصول إلى أحياء سكنية نموذجية تُنفذ فيها الخدمات الأساسية بمستويات متقدمة من الجودة والتميز وتَتَحقَق في أجوائها شروط ومتطلبات التنمية البشرية التي تضعها الدولة في مقدمة أهداف خططها التنموية الشاملة.

كما أن القـرار يعيد إلى الواجـهة مجـددا مشكلة الأراضـي البيضـاء داخـل المـدن الرئيسة وفي ضواحيها، ويمثل فرصة لإعادة طرح خيارات وحلول معالجتها.

ومـن أهـم المقترحات المطـروحة فرض ضريبة متصاعدة على الأراضي البيضاء تجبر الملاك على عدم التمسك بها، وهو ما يساهم في حل أزمة الإسكان التي يبدو غريبا بل ومحـزنا أن تكـون موجـودة في دولة تعادل مسـاحتها مساحة قارة بأكملها.