نرى بين الحين والآخر جملة من القرارات والأنظمة تقتحم الجانب التعليمي لدينا , بعضها يعمم تطبيقها على جميع المدارس والبعض الآخر لا يكون سوى تجربة تطبيقية على أحدهم , وعلى أساس نجاحها ، أو فشلها يختم قرار تعميمها , فتكون تلك المدارس بمثابة حقل تجارب ، ويصبح روادها فئرانا لذلك الحقل, تجد بعض الأسر مذهولة وأخرى منذهلة ,مذهولة من تدني مستوى ابنهم الذي لم يعهدوا منه ذلك من قبل في فترة وجيزة , و الآخرون منذهلون من قفز ابنتهم لأعلى مراحل التفوق والامتياز بلمح البصر بعد أن كانت لا تقف حتى عند حدوده . ترى ما السبب في ذلك ؟ إجابة السؤال هو تخبط القرارات ، و الأنظمة , حيث كانت سببا هاما ورئيسيا في حدوث ذلك الانقلاب , فقد بتنا لا نستطيع التمييز بين المتميز وبين المختبئ خلف ستار التميز ، دعوني لا أتعمق تفصيلا لأنني لو بادرت بالإسهاب في حديثي عن مجمل الأنظمة و أخطائها فلربما لن تتضح الصورة بالشكل المناسب , لكني سوف أحصر سطوري على أحدهم الذي لعله يشكل أهم تلك الأنظمة, ألا وهو ما أسميه بـ " ضربة الحظ " أو بالمسمى التعليمي المطلق عليه " التصحيح الإلكتروني" . التصحيح الإلكتروني , نظام غاصت فيه أروع لآليء المبدعين و انطفأ بريقهم , وحالف الحظ من قد كانوا على شرفات السقوط , لكي يصبحوا على قمم قلاع النجاح ،فماذا يتوقع عندما توضع جميع الأسئلة بأنواعها المختلفة لتكون إجاباتها حصرا على أربع خيارات فقط ؟! مهما كان ما درسه الطالب و الطالبة أو مهما جاهدوا أنفسهم في تفكيك الأسئلة ومحاولة حلها ربما يتفاجأ بأن ثمرة جهوده بسبب خطأ بسيط قد تساوت في نهاية اللعبة مع من هو متكئ على وسادته , حيث إنه قد يجد البعض صعوبة في التوصل للإجابة مع قيامه بجميع خطوات الحل الصحيحة , وبالمقابل تكون ورقة الامتحان لدى الآخر كورقة اليانصيب ويخمن جميع الإجابات , ويا للذهول عندما تكون الصحيحة منها بنسبة لا تتجاوز على الأقل 50% , ونجد علامات التعجب العريضة قد ارتسمت وبشكل واضح على أوجه الطلاب قبل المعلمين , على محيا المتفوق قبل المتخاذل ، أنا لا أحكم بشكل قاطع بالفشل 100% على تلك الطريقة , لكن في سلك معين كاختبارات القدرات ، وغيرها لكن من الخطأ أن تعتمد كطريقة يؤسس عليها أجيال على مدار الأعوام , من الخطأ أن نختصر التعليم في جميع المراحل على " خيارات " ! فنحن لم نلمس من نتائجها سوى انعكاس الصورة عن التعليم ، فبعد أن كان النجاح والتفوق والتميز مرهونا بالجد والاجتهاد والمحاربة لأجلهم ، بات ضربة حظ يفوز بها من أصابها ، و يخفق من أخطأ الاختيار ، هنا تبدأ حرارة الحماس بالبرود , وتخمد شعلة النشاط بالانطفاء , عندها فإن روح المنافسة يحكم عليها بالموت وما تلبث أهداف التعليم إلا أن تكون مسترخصة مستهان بها , لا يوجد دافع للميل بالاجتهاد في سبيلها , ولن تكون نتائج هذه الزوبعة سوى أحد الخيارين , إما عقول نابضة مقتولة , أو عقول فارغة مندسة باللعب خلف قناع النجاح , وما الثمرة من هذا وذاك سوى الفشل المحتم المحكوم ، والمحتم على أبناء الأجيال القادمة ،ذلك النظام الذي يشكل في وجهة نظري خطأ عارما , أتمنى ألا تزحف رماله بالاستمرار إلى جميع مدارس المملكة , كما أن فكرة حقول التجارب وفئرانها التي تتلبس بها مدارسنا توقف تجاربها التي لم تكن نتائجها سوى الانفجار بها لكي لا نفقد ما تبقى من أطلال التميز في أبنائنا , ونرفع شعار الفشل الدائم على مستوى التعليم في بلادنا , ولكي لا نقتل الإبداع ، لكي لا نقتل الاجتهاد.