كشفت دراسة أكاديمية عن جذور عميقة وقوية للعقيدة الإسلامية في المجتمع السعودي، بحيث لا يطغى عليها من معطيات الحضارة شيء.
وخلصت الدراسة إلى أن النماذج السردية السعودية مثّلتْ صورة ناضجة للفرد والمجتمع السعودي والإنساني عامة، ومظاهر تعاملهم مع الصراع الحضاري المستمر في الحياة. وتوصلت الباحثة أمل عبدالله زين العابدين برزنجي من خلال أطروحتها (الصراع الحضاري في الإبداع القصصي السعودي "دراسة في الاتجاهات والبنية الدرامية") التي قدمت لنيل درجة الدكتوراة في الأدب من جامعة أم القرى إلى أنه رغم تشارك الكتّاب السعوديين في الاهتمام بصعوبات المواجهة مع الحضارة على الصعيد الذاتي والجماعي في سردهم؛ فإنهم ظلوا يسعون لإضفاء طابعهم الخاص على نتاجهم السردي، وتنبع هذه الخصوصية من جانبين، من خصوصية مجتمعهم الدينية والاجتماعية والفكرية، وواقعهم الذي يشمل تصادمات متنامية مع استمرار نموه وتطوره، ومن خصوصية ذواتهم التي تُهيئ لعمل كل منهم أن يكون له كينونة درامية مميزة، قادرة على تبني آرائه وتوجهاته، واحتضان معاناته الخاصة، ومن ثم التعبير عنها في بناء أدبي يحقق أهدافه الموضوعية والفنية من جهة، ويثبت مقدرته وموهبته الفنية وبراعته وحسن توظيفه الأدب لخدمة الذات والمجتمع من جهة أخرى.
كما بينت الدراسة التي أوصت الجامعة بطباعتها ونشرها إلى أن الصراع في السرد السعودي هو المعنى الأشمل للأحداث والسلوكيات والمشاعر والأفكار الإنسانية في عصر الحضارة، وتُشكّل النماذج التي يُعنى بإخراجها أولئك الكتاب وسيلة لتهيئة المصالحة مع الصراع، وتهدئة الذات الإنسانية في مشوارها الطويل خلال التعامل معه، بيد أن شيئاً من تلك النماذج وفي جوانب موضوعية منوعة، قام بدور معاكس، فاشتعلت من بعضها أبعاد جديدة وعميقة لصراع الإنسان العصري في المجتمع السعودي، وذلك ظاهر مثلاً في انطلاق الكاتب السعودي إلى وصف الواقع العصري مقارنة بالواقع التاريخي، المستحضر بالقوة والفعل تبعاً للتكوين الخاص للمجتمع السعودي في جوانبه الدينية والاجتماعية والسياسية.
وفي الجانب الموضوعي كشفت الدراسة عن جذور عميقة وقوية للعقيدة الإسلامية في المجتمع السعودي، بحيث لا يطغى عليها من معطيات الحضارة شيء؛ بل يندمج معها ما دام موافقاً لقدسيتها، وما ذلك إلا لأن هذا المجتمع يستمد حضارته ويكفل لها الاستمرارية والثبات من الإسلام أولاً وآخراً، كما أن الاتجاه الاجتماعي للصراع أظهر اهتمام الكتّاب السعوديين بكافة النواحي الاجتماعية والقضايا والمشكلات المختلفة، ذات التأثر المباشر أو الضمني بأوضاع التطور المستمرة في الظهور في مجتمعهم، مضيئة في هذا وذاك الآثار النفسية التي يعانيها أبناء هذا المجتمع في طريق التكيف والاندماج مع الحضارة. وأشارت الباحثة إلى أنه ليس غريباً أن تُعنى جلّ النماذج السردية السعودية بتصوير الإرهاق النفسي الذي يعتصر إنسان العصر، وهو يعيش وطأة التحوّل معبأ بالكثير من الانفصام والخوف والقلق وبالقليل من ملامح التفاؤل والأمل، كما أن اتجاه عدد من هؤلاء الكتاب لتناول عدد من القضايا السياسية جاء نابعاً من الحسّ الوطني تارة، والانتماء للوطن والعروبة تارة أخرى، مشيراً هنا وهناك إلى ضرورات مهمة يتشارك العالم العربي والإسلامي في تحقيقها ألا وهي الوحدة العربية.
و أظهرت دراسة البناء الفني في نماذج السرد السعودي مع اختلاف مضامينها أن البناء الدرامي لا يحقق غاياته إلا بإحكام العلاقات بين عناصره، وتوحيدها في بنية عامة تبقى ثابتة رغم تنوع طرق تشكيها، وتبعاً لهذا البناء يمكن قياس مدى جودة القصة أو الرواية، كما يمكن التفريق بين الكتّاب بالنظر إلى مقدرة كل منهم في التأثر بموضوع الصراع، ونقل التأثير إلى القارئ، ويظهر أن عدداً ملحوظاً من الكتّاب السعوديين قد استطاع الخروج بالعمل السردي إلى حيز فني، ينطوي على نضج في البناء وتناغم بين المضامين والأساليب المختلفة، وقد تكفلت الرسالة برصد ذلك وتعميده.
وتشير دراسة اللغة في نماذج الصراع الحضاري للكتّاب السعوديين إلى قربها من النجاح في خدمة أغراضهم المختلفة، يظهر ذلك في تنوع مستويات لغتي الوصف والحوار، وتضافرهما في تحريك الحدث درامياً، واللجوء إلى عدد من التقنيات الأسلوبية كالاقتباس والتضمين والرمز والإيحاء وغيرها، لدعم الاتصال بين هاتين اللغتين، ومضاعفة تأثيرهما وأدوارهما في التعبير عن موضوع الصراع، ورغم اختلاف هؤلاء الكتّاب في توظيف الأساليب والتقنيات المتعددة في قالب القصة أو الرواية، فإن نماذجهم أكدت على العلاقة المتبادلة المتكاملة بين اللغة والشخصية والصراع في البناء الدرامي.