تحدثت منذ أسبوعين على صفحات "الوطن" عن مسببات العواصف الترابية التي تهب على جزيرة العرب بين الفينة والأخرى، وذكرت أن التنبؤ بحدوث هذه العواصف أهون وأسهل بكثير من التنبؤ بدخول شهر رمضان الكريم، فمثل هذه العواصف الرملية ما هي إلا انعكاسات طبيعية لمتغيرات مناخية تحدث في المناطق المحيطة بجـزيرة العـرب.


فعلى سـبيل المثال العاصفة الترابية التي شهدتها مدينة الرياض منذ أربعة أيام تقريبا وبالتحديد في يوم الاثنين الموافق 23 مايو 2010 كان محركها الأساسي هو المنخفض الجوي المتكون فوق جمهورية مصر العربية في اليوم السابق ، أي في يوم 22 مايو 2010 ، وبمعنى آخر أن هبوب العواصف الترابية فوق وسط وشرق جزيرة العرب مرتبط ارتباطا وثيقاً بتكوين المنخفضات الجوية فوق الركن الشمالي الغربي من القارة الإفريقية، خاصة في فترة الانقلاب الربيعي التي تمتد من شهر مارس وحتى شهر مايو تقريبا.


الطقس الحار الذي شهدته مدينة جدة يوم الثلاثاء قبل الماضي بتاريخ 18 مايو والذي وصلت درجة حرارة الجو فيه إلى حوالي 50 درجة مئوية كان نتيجة لتمركز منخفض جوي إلى الغرب من مدينة جدة بين خطي عرض 19 و22 درجة شمال.





أدى هذا المنخفض إلى تدفق سيل من الهواء الحار من المناطق الجبلية الواقعة إلى الشرق من مدينة جدة، وعلى كل حال مثل هذا الطقس نادر الحدوث في مدينة جدة ولا أتوقع أن تمر مدينة جدة بمثله في هذا الصيف والله أعلم!


التقلبات المناخية الرطبة وأقصد بذلك الفيضانات التي شهدها العديد من المناطق في المملكة العربية السعودية هي أيضا انعكاسات لتغيرات مناخية تحدث في المناطق المحيطة بالمملكة العربية السعودية. وفي هذا المقال لا أريد التحدث عن نمطية هطول الأمطار في فصل الشتاء، بل سينصب جل حديثي عن المتغيرات المناخية التي تحدث على طول منطقة خط الاستواء التي أصبحت المحرك الأساسي للتغيرات المناخية في جميع مناطق العالم من الصين وحتى الولايات المتحدة الأمريكية.


لا شك أن هناك تغيرات واضحة وملموسة في درجة حرارة الغلاف الجوي، السبب وراء هذه التغيرات دورات طبيعية تحدث على سطح الكرة الأرضية منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها وستظل هذه التغيرات مرتبطة بالأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، السبب أو المحرك الأساسي لهذه التغيرات المناخية هو كمية الحرارة الساقطة من الشمس على سطح هذا الكوكب.


المحرك الأساسي للفيضانات التي تشهدها جميع مناطق العالم يكمن في سلوك ما يعرف بالشريط الاستوائي المطير(Intertropical convergence Zone (ITCZ وهو عبارة عن شريط سحابي يقع على طول خط الاستواء بامتداد وسط الكرة الأرضية، يصل فيه السمك السحابي في بعض مناطقه إلى حوالي عشرة كيلو مترات تقريبا ، ويصل متوسط هطول الأمطار منه إلى حوالي 4 أمتار في العام الواحد. سلوك هذا الشريط السحابي وما يسببه من كوارث إنسانية واقتصادية واجتماعية في معظم دول العالم، دعا العديد من خبراء المناخ في العالم لدراسته دراسة متأنية في كافة الجامعات العالية خاصة المعاهد والجامعات اليابانية والهندية والصينية. وآخر هذه الدراسات الحديثة قام بها خبراء من جامعة واشنطن الأمريكية في عام 2009 يقودهم خبير علم المحيطات البروفيسورSays Julian Sachs (نشرت هذه الدراسة في المجلة العلمية Nature Geoscience ) ، وقد تعقب هذا الفريق العلمي سلوك هذا الشريط خلال الثلاثمئة عام الماضية وذلك عن طريق نظائر الهيدروجين (Hydrogen Isotopes) فوجدوا أن هذا الشريط يتقدم إلى جهة الشمال مسافة 1.4 كيلو متر في العام، الهجرة إلى الشمال لهذا الشريط هي المحرك الأساسي لجميع التغيرات المناخية التي تحدث على طول المناطق الاستوائية وتحت الاستوائية. وتأثير تقدم هذا الشريط الاستوائي في النصف الشمالي (أي شمال خط الاستواء) يبدأ في فصل الصيف في الفترة ما بين أبريل وحتى شهر أغسطس.


لذا كل ما يحدث وسيحدث في شهور الصيف القادمة من فيضانات في الركن الجنوبي الغربي من جزيرة العرب خاصة اليمن وجنوب غرب المملكة بما في ذلك المدن الساحلية مثل مدينة جيزان و مدينة القنفذة ومدينة الليث، والمدن الواقعة في منطقة المرتفعات الجنوبية الغربية مثل مدينة أبها والباحة، أضف إلى ذلك جميع الدول الواقعة في جنوب جزيرة العرب جنوب اليمن وعمان سيكون المحرك الأساسي لها، هو تقدم هذا الشريط الاستوائي في جزيرة العرب. وقد لاحظت في الآونة الأخيرة أن تأثير هذا الشريط الاستوائي المطير امتد حتى مدينة الرياض وبعض دول مجلس التعاون الخليجي، وسيشهد نهر النيل فيضانات عارمة خلال فصول الصيف القادمة نتيجة لهطول الأمطار الشديدة التي ستهطل على الهضبة الإثيوبية نتيجة للتقدم الملحوظ لهذا الشريط، كما أن الأمطار في السودان ستمتد في فصل الصيف شمالا حتى الخرطوم ودارفور.


وأنا أتوقع ـ والعلم عند الله سبحانه وتعالى ـ أن الركن الجنوبي الغربي من جزيرة العرب سيتعرض من الآن وحتى شهر أغسطس القادم إلى أمطار وفيضانات شديدة ، وقد تمتد هـذه الأمطار لتصل إلى المدينة المنورة ومكـة المكرمة ودول مجلس التعاون الخليجي، فهل أعددنا العدة لمثل هذه التغيرات المناخية على ربوع بلادنا ؟ وهل سنظل نصرخ ونولول مع كل هطول؟، ولله الأمر من قبل ومن بعد.


ملاحظة: كـم أتمنى من مصلحة الأرصاد وحماية البيئة التعليق على هـذا الطرح فقط لإثراء الحوار.