على نحو ماذا ستفكر الأنظمة السياسية العربية والإسلامية التي تدعي الديموقراطية، وأفلتت من العاصفة أو تكاد..
وما هي الآثار العميقة التي ستلازم حكوماتنا العتيقة بعدما كانت آراء المراقبين في كل دول العالم قد وضعتها على قائمة الانتظار بعد تونس ومصر..
وهل بوسع الحاكم أن ينسى الأيام العصيبة التي مرت قريباً منه وتركت بصماتها عالقة في ذاكرته تنتج القلق وتعكر الصفو وتدفعه نحو سياسات وقائية ذات طبيعة أمنية متشددة؟
ثمة مشكلة مزدوجة ستواجهها الشعوب العربية والإسلامية بعد زوال العاصفة تماماً كما كان عليه حال هذه الشعوب قبيل ثورتي الشباب في تونس وأرض الكنانة، فالتغيير لدى معظمها مجرد شجن تتداعى إليه أحلام شابة وتناغيه مساجلات نخب ولكن من غير برامج وطنية تهيىء مناخاته وتعزز مشروعيته وتساعد على تكامل أداءات قواه الحية وفق منهج واضح يؤدي إلى خلق معادلات جديدة في حركة الواقع.
على أن جزءاً آخر من شعوب المنطقة ما يزال يتطلع إلى التغيير ويرتهن أشواقه بوسائط فاسدة تنتمي لذات الأنظمة وتشكل امتداداً لتراثها السياسي والفكري ولا يغير من أمر هذه القوى وجودها ضمن ما يطلق عليه بالمعارضة حتى وإن غادرت مواقعها القديمة في إطار السلطة أو بدأت تجتر خطاباَ تعبوياً مشحوناً بالنقمة والتذمر إلا أنها تظل حبيسة ثقافة ثأرية تحدد التسويات الآنية درجاتها الحرارية فضلاً عن أن مثل هذا اللون من المعارضات السياسية لا يقدم نفسه بديلاً جاهزاً مثل جاهزيته في تقديم القرابين من القواعد الشعبية المطبوعة على الطاعة العمياء كما هو حال المسلمات المعمول بها في ثكنات الجيوش وهو الأمر الذي يجذر الصراع ويقذف بشعار التغيير إلى مناطق غير مأهولة بالحياة..؟
في حياتنا الكثير من المهازل والمفارقات لكن أقساها وأضناها تلك التي نبدو فيها غير جاهزين لاجتناء الثمار التي شبعت نضجاً فيما لا نتوقف عن تسلق الأشجار العارية الجرداء.. قرف بالغ باهض ممل يترصدنا ونحن نفترش الماضي ونتوكأ على عكازه ولا نظفر بحلم أصيل يتجاوز المحاكاة..!!
هل نحن كائنات مختلفة يحتاج وجودها إلى قرارات رئاسية؟.
شعوب العالم تغير وتتغير بهدوء وسلاسة أما نحن فإن رياح التغيير التي نرصدها في أماكن غير سكنانا تصبح موضع جناية ومحل بحث عن كهنة يتقبلون توسلات الغفران.
القليل من مواجع شعوبنا العربية يكفي لإنجاز ثوارت ذوات أهداف هي الأسمى في التاريخ والكثير من الحقوق العادلة والمطالب المشروعة كفيل بإصلاح ما أفسده الدهر من علاقات مضطربة مع حكامنا..
مشكلة مركبة أن ينسى الحاكم أو إذ يتذكر.. وغالب الظن أنه متى قرر الأخذ بأحد هذين الخيارين فإن أعوانه والمنتفعين من نظامه والدوائر المحيطة به ستعنى بإدارة العربة إلى الوراء وستعمل مرة أخرى على تزيين الأخطاء وحجب الحقائق..
رجال البطانة لن يعدموا الوسيلة المناسبة لتغليب الجوانب السلبية في أي الحالين كان الاختيار الحاكم..
المرجح بحكم قوة العادة أن الحكام الذين أفلتوا من العاصفة إذا قرروا استحضار مشاهدها فإن ذلك سيكون بهدف إفساد شبكة العلاقات التي ينسجها الشباب فيما بينهم عبر وسائل الاتصال الحديثة.
قوة العادة ستجعل الأجهزة تتخذ تدابير وقائية وربما اختلاف مبررات تحريضية تدفع مجتمعاتنا الأبوية على اقتلاع الشباب من مقاعدهم في مقاهي الإنترنت دفاعاً عن الفضيلة..
سيتذكر الحاكم حاجته للقضاء على الهوية الوطنية للمؤسسة العسكرية حتى لا يتكرر درس الحياد النزيه كما في موقف الجيش المصري.
إما إذا كانت الأفضلية لخيار النسيان فإن معنى ذلك سيقتصر على تعزيز تحالفات مراكز القوى وإعادة هيكلية دوائر الفساد لتؤدي دورها النشط نيابة عن ما تبقى في إطار الدولة الوطنية من مؤسسات وسيتعين على هذه القوى أن تساهم بفعالية في دفع الكلفة الباهضة لمقاومة تيار التغيير..
على أن المصلحة الحقيقية لشعوب وأنظمة الحكم تؤكد حاجتهما للتذكر بما يفيد العبرة والاستيعاب وللنسيان حتى لا يكون التغيير اقتتالاً وحرائق وذلك هو طوق النجاة الذي لا بديل عنه..