نحتاج في بلادنا إلى وسيلة للتعرف على أفكار الشباب وهمومهم وتطلعاتهم في وطنهم، أعرف ويعرف كثيرون بعض التطلعات والهموم والاهتمامات، ولكنها معرفة انطباعية تقوم على الخبرة والمعرفة الذاتية وربما التوقعات الشخصية، لكن ذلك لا يكفي، الأمر يتطلب دراسات علمية منهجية لاستطلاع الرأي والبحث حتى تكون النتيجة أقرب للواقع بشموليته في جميع المناطق، وحتى يمكن أن تبنى عليها قرارات واتخاذ إجراءات وآليات تنفيذية، فبدون هذه الدراسات العميقة الشاملة لا يمكن لصانع القرار في أي مواقع من مواقع صنع القرار أن يتخذ قرارا يلبي تطلعات الغالبية.
هناك بعض الجهات فيما أعرف تقوم باستطلاعات أو مسوحات بطرق معينة ولأهداف محددة، لكني أظنها لا تكفي، ولا تنسجم مع الهدف الذي أرمي إليه هنا، ولذلك أقترح أن يقوم مجلس الشورى بهذه المهمة، فهي فيما أتصور تندرج ضمن مسؤوليته في تقديم المشورة لولي الأمر، ومن هذا المنطلق يستطيع مجلس الشورى أن يتعاون مع دور دراسات محلية ذات تجربة في هذا السبيل أو من خارج المملكة، كما يمكنه التواصل مع الجامعات السعودية، وتحديد نوع الدراسات والاستطلاعات المطلوبة، وأعتقد أن الجامعات مؤهلة لهذه المهمة ولن تمانع في التعاون مع المجلس في هذا السبيل الحيوي الهام لخدمة الوطن .
إن الدراسات العلمية واستطلاعات الرأي المنهجية والاستفتاءات هي الطريق الأفضل لوضع مسارات التنمية كلها في أطرها الصحيحة التي تحقق قدرا من الرضا العام في أوساط المواطنين بصفة عامة والشباب بصفة خاصة، هذا الطريق العلمي المنظم هو الذي سلكته وتسلكه دول العالم المتقدم، وهو الطريق الذي يستجيب وينسجم مع منطق العصر، العصر الذي لم يعد فيه مجال لفرض الرأي الواحد، ولا مكان فيه للتفكير نيابة عن أصحاب الشأن أو تخمين طلباتهم وتطلعاتهم، لابد من سؤال الناس ومعرفة الرأي العام الذي يتفق غالبيتهم عليه سيما وبلادنا مازالت تفتقر حتى الآن لجمعيات أو منظمات المجتمع المدني التي يمكن التعويل عليها في الحديث باسم المواطنين ونيابة عنهم، ولهذا فإن مجلس الشورى هو الجهة الوحيدة التي يمكن أن تتبنى مثل هذه الدراسات والاستطلاعات وتحليلها وتبني توصيات بسن أنظمة أو اتخاذ قرارات في ضوء ما يمكن التوصل إليه من نتائج، بل يمكن للمجلس اتخاذ ذات الأسلوب مع أنظمة موجودة أو قرارات متخذة من السابق لمعرفة مدى فعاليتها في حياة الناس ومدى رضاهم عنها أو قناعتهم بها .
مجلس الشورى يناقش بانتظام أنظمة وقرارات تحال إليه، ولاشك أن المجلس يضم كفاءات قادرة على إبداء الرأي السليم، لكنه لو دعم هذه الكفاءات بمثل هذه الدراسات والاستطلاعات لكان ذلك أدعى إلى الوصول إلى التوصية الأعمق والرأي الأسلم، كما أن نظام المجلس يتيح له اقتراح مشاريع أنظمة وقرارات جديدة، وإذا اتجه إلى المواطنين وسألهم عبر الدراسات والاستطلاعات سيجد كثيرا مما يقترحه ويوصي به ويرفعه إلى صانع القرار، فهل يبادر المجلس إلى مثل هذا؟