هذا الفلسطيني الذي اضطر إلى تأجيل دراساته العليا في ماليزيا، وذاك المسن الذي ألغى كارها جراحة في عينه كان إجراؤها مقررا في مصر، يقفان الآن عند المعبر ضمن آلاف المتلهفين على الخروج من القطاع المحاصر خوفا من أن توصد مجددا بوابة القطاع على العالم بعد أيام على فتحها.
اكتظت صالة المسافرين التي تديرها حماس في الجانب الفلسطيني من الحدود بالمئات من أبناء القطاع الذين يحاولون الحصول على تصريح بالاقتراب من المعبر لدخول مصر.
بدا المشهد فوضويا.. فالمسافرون المجهدون المتوترون يجادلون بحدة مسؤولي الحدود التابعين لحماس، بينما يصرخ مسؤول في مكبر الصوت الذي يحمله بيده موجها تعليماته لحشد الراغبين في السفر "تراجعوا.. تحركوا للخلف".
وعلى مقربة منه وقف الشرطي مرتديا حلته السوداء رافعا هراوته مهددا لينهي الجدال المتطاول مع رجل في منتصف العمر. لقد اضطر الكثيرون من سكان غزة البالغ عددهم مليون ونصف المليون نسمة إلى إبقاء شؤون حياتهم معلقة خلال السنوات الثلاث التي أحكم خلالها إغلاق الحدود من جانب إسرائيل ومصر، وذلك في أعقاب انتزاع حركة حماس حكم هذا القطاع عنوة.
والآن وبعد العملية الإسرائيلية التي جرت الأسبوع الماضي على أسطول كان يستهدف كسر الحصار، لمع بصيص من الأمل ربما يبشر ببزوغ الفجر بعد أحلك لحظات الليل سوادا. فقد طالب قادة العالم في غمرة استيائهم من الهجوم الذي أراق دماء تسعة من الناشطين المؤيدين للفلسطينيين إما بفض الحصار المضروب على غزة، أو التخفيف من وطأته. وقد وعدت مصر بإبقاء معبر رفح مفتوحا يوميا، بدلا من فتحه على نحو متقطع كما كان الأمر سابقا، وهو ما يشير إلى أول تقدم ملموس على أرض الواقع.
ولكن حتى بصيص الأمل هذا لم يكن طليقا من قيود. فلن يسمح بمغادرة القطاع إلى مصر إلا لأولئك الذين يحملون جوازات السفر الأجنبية أو رخصة الإقامة في دولة أخرى، أو أولئك الذين يحتاجون بشدة للعلاج الطبي أو لديهم ما يفيد قبولهم لدى جامعات أجنبية. إنها ذات القيود التي كانت مفروضة في السابق، على الرغم من أن فتح المعبر على نحو دائم خلال الأسبوع الماضي سمح بإنهاء معاملات الآلاف المتراكمة من المتطلعين للسفر.
يحاول بعض أولئك الذين احتشدوا في صالة المغادرة يائسين الخروج من القطاع للمرة الثانية وربما الثالثة خلال عدة أيام، والبعض منهم يحكي ظروفا قاسية. فهذا هاني إهليل قد علق في غزة منذ أن عاد لقضاء عطلة الصيف عام 2006 بعدما حصل على الإجازة الجامعية في هندسة الحاسب الآلي من أكاديمية بكوالالمبور عاصمة ماليزيا. وكان إهليل يعتزم العودة لماليزيا لاستكمال الدراسات العليا في تخصصه، ولكن الحصار أرغمه على البقاء في غزة أربع سنوات، قضاها كلها في وظائف لا تناسبه منها بيع وشراء الحاسبات الآلية.
حاول إهليل عدة مرات في الماضي السفر عبر معبر رفح، ولكنه لم يتمكن من جمع كافة الوثائق المطلوبة، بما فيها التصريح الأمني المصري والحصول على موطئ قدم ضمن قائمة الانتظار الطويلة التي تهيمن عليها حماس. يقول إهليل: إنه يشعر بالضغوط كشقيق أكبر لستة إخوة، ولهذا فإن عليه تحقيق النجاح، ومستقبله مرهون بالخروج من غزة. وقال ممسكا بمظروف بلاستيكي يضم وثائق سفره: "إنني خائف من حماس ومن مصر ومن كل شيء". وأضاف في نبرة يأس: "إنني خائف بالفعل".
وفشلت نجوى الأسمر في العبور الثلاثاء مع ثلاثة من أطفالها وهي محاولتهم الثانية للخروج من القطاع خلال يومين، ولكنهم حصلوا على وعد باستقلال الحافلة الأولى التي تخرج يوم الأربعاء (أمس).
ويقف على مقربة منهم تحت أشعة الشمس الحارقة عدنان مهنا البالغ من العمر 77 عاما منتظرا موافقة مصر الأمنية على سفره. وكان مسؤولو حماس قد نبهوا عليه بأن الشهادة التي خطها لصالحه طبيب محلي تؤكد حاجته لجراحة في عينه ليست كافية للحصول على تصريح بعبور الحدود. ولا بد أن يقدم جراحه المصري موافقته للسلطات المصرية حتى يجري السماح له بالعبور، على الرغم من أن الجراح كان قد أجرى عملية في عينه منذ ثمان سنوات، هكذا أبلغته سلطات حماس.