الجمعة يوم له خصوصيته لدى المسلمين، وصلاة "الجمعة"، لها أهميتها على الصُعد الدينية، والاجتماعية، والفكرية، كما العبادية، وهي الصلاة التي يؤمها الملايين من المسلمين كل أسبوع.
هذه الصلاة "المباركة"، جمهورها "الكاسح" من الرجال في السعودية، ما يطرح السؤال عن المرأة، وحضورها "الجمعة"، خاصة أنها تتواجد فيها في بقاع مقدسة، كالحرم المكي، والحرم المدني الشريف، الأمر الذي يدعو إلى طرح موضوع حضور المرأة صلاة الجمعة في المملكة، وما لهذه المشاركة من إيجابيات على النساء خاصة، والأسر والمجتمع عامة.
مقتضيات المصلحة
رئيس محكمة "الجبيل" بالمنطقة الشرقية، الشيخ الدكتور رياض المهيدب، دعا في حديثه مع "الوطن"، المرأة السعودية لحضور صلاة الجمعة، في حال اقتضت ذلك مصلحة الأسرة والمجتمع، بناء على "حاجة البيوت إلى مزيد من التوعية والتربية، باعتبار المرأة أصبحت معنية بالتربية أكثر من الرجل، وخاصة في التعامل مع مستجدات الحياة اليومية المعاصرة، من تقنية إنترنت وفضائيات وغيرها داخل المنزل". في الوقت الذي "يوجّه فيه صوت الخطباء للرجال فقط. وقـلّ أن ينقل الرجال مضامين الخطبة للأسرة، وخاصة المرأة، باعتبارها مسؤولة عن التربية، مما يعطي أمر حضورها للخطبة قبولا، في حال قضت الضرورة ذلك". المهيدب أوضح أن صلاة الجمعة "ليست واجبة على النساء، كما أن صلاة الجماعة لا تجب عليهن، فبيت المرأة خير لها"، مضيفا أنه "إذا حضرت الخطبة وَصَلَّتْ مع الجماعة في مصلى يختص بالنساء جاز ذلك، كما يجوز لها الصلاة مع الجماعة في سائر الأوقات، إذا كانت بعيدة عن الرجال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات) أي، لا تتبرج، ولا تَتَجَمَّل عند خروجها للمسجد، وبيوتهن خير لهن". موضحا أن الحكم الشرعي بالنسبة للنساء، هو أن "يصلين الجمعة في بيوتهن ركعتين، إذا سمعن خطبة الجمعة".
نفعٌ كبيرٌ للحضور
ومن جانبه، قال عضو هيئة كبار العلماء، الشيخ الدكتور قيس آل الشيخ مبارك إن "الأصل في صلاة الجمعة أنها موضع يجتمع فيه المسلمون، ليسمعوا نصحاً وتعليماً وتوجيهاً، لذا فإن حضور النساء للجمعة فيه نفع كبير لهنَّ، حيث يشهدن الخير، غير أن الشارع الحكيم رفقاً بالمرأة لم يوجب عليها حضور الجمعة ولا الجماعة، فإذا علمَت المرأةُ أن حضورها للجمعة يزيد من ثقافتها ووعيها في أمور دينها ودنياها، فلا شك أن حضورها حسن، وهذا يعني أن على الخطباء مسؤولية عظيمة، لأن الأعداد الغفيرة من المصلين إنما تركوا أعمالهم وراحتهم وحضروا من أجل الصلاة ومن أجل سماع خطبة تزيدهم وعيا بهذا الدين وأحكامه، فوا أسفاه على خطيب لم ينتفع منه المصلُّون. فخيرٌ مِن أن يقوم الخطيب بتحريم آلةٍ لا تـتّـَصف بحرمة ولا إباحة، أن يشرح للناس الاستعمالات الفاسدة لهذه الآلات ويحذِّر منها، ويشرح استعمالاتها النافعة ويحضَّ عليها، فَحُسْنُ استعمالها خُلقٌ يجب أن يتخلَّق به المسلم"، مضيفا أن "الأصل في الخطبة أن ينتفع الرجل والمرأة بأحكام الأسرة التي تشمل الطرفين، وواجب الخطيب أن يتكلَّم عن مسؤولية الأب والزوج والأخ وحقوقهم، وكذا عن مسؤولية الأم والزوجة والأخت وحقوقهن، فالمسؤولية مشتركة، ولا حاجة لتخصيص جزء من الخطاب للمرأة".
معالجة عصرية
ونظرا لما يناله منبر "الجمعة"، من أهمية في المجتمع، ودوره في توجيه الناس وإرشادهم، فقد دعا أستاذ علم الاجتماع، الدكتور عبد الله بن محمد الفوزان في حديث لـ"الوطن"، دعا خطباء الجمعة إلى "أن يعالجوا ما يهم المجتمع بلغة عصرية، بعيدا عن النمطية المقيتة، وعليهم تلمس هموم المجتمع، ومعالجة قضاياه المهمة والمعيشة في حياتنا اليومية، وخاصة تأثير الفضائيات والإنترنت، والتأثر الفكري بسلبيات الحضارة الغربية"، مضيفا "كما يجب عليهم شرح طرق التربية المناسبة المستقاة من قيم المجتمع، موروثه الديني والاجتماعي، بهدف تأصيل القيم في نفوس الناشئة والشباب، وحمايتهم من المخرجات السلبية للتقنية".
تهيئة المساجد
إمام وخطيب جامع "البوحمود" بمدينة "الجبيل" الشيخ منصور البوعينين، في مقدمة المتحمسين لموضوع صلاة الجمعة للنساء، معتبرا أنها "فكرة رائعة، وأمرٌ به فائدة عظيمة للأسرة"، داعيا إلى ضرورة "تهيئة المساجد والجوامع بمصليات للنساء، تخدم الغاية التي تحقق الهدف".
ثقافة مجتمعية
الثقافة المجتمعية السائدة، هي أحد الأسباب التي تحول دون حضور النساء لصلاة "الجمعة"، كما يرى ذلك إمام وخطيب جامع "ابن القيم" بمدينة "الجبيل الصناعية"، الشيخ هلال الراحلة، قائلا "النساء في مجتمعنا لا يحضرن صلاة الجمعة، وهذا ربما يعود لثقافة المجتمع دينيا واجتماعيا، في حين أن حضورها أمر أرجو أن يستثمر خير استثمار، فيما يعود بالفائدة على الأسرة"، مضيفا أن "حضور المرأة صلاة التراويح أمر جائز، وحضورها لصلاة الجمعة أمر به خير لها وللأسرة والمجتمع، إذا استهدفت الخطبة رفع مستوى الوعي لديها وتوجيهها، على أن تحظى بجزء كبير من الخطاب المباشر الدعوي القائم على التلميح والتصريح والدعوة، والحض على الخير والترغيب فيه".
الراحلة أمل أن يكون هنالك خطاب توعوي فاعل ومؤثر، متمنيا "البدء في تفعيله في حياتنا اليوم من أجل تربية جيل ملتزم بقيمه ودينه. فكلما اقترب الخطاب الديني من حياة المرأة وباشر التوجيه والتذكير لها، كان ذلك زيادة في الخير، ونصرة للدين".
لا تأييد ولا معارضة
من جانبه، وحول صلاة "الجمعة" للنساء، قال الداعية الشيخ صالح بن عبدالله الضحوك "لا أؤيد، ولا أعارض هذا الأمر، ولكنني أدعو إلى توظيفه بصورة جيدة تحقق الهدف منه وهو رفع مستوى الوعي لدى الأسرة، وخاصة أن الأم مسؤولة التربية الأولى في المنزل، فحضور المرأة لصلاة الجمعة متبع في كثير من البلدان الإسلامية ومعمول به، في مصر، والباكستان، وإندونيسيا، وغيرها، وعندنا أكبر مثال على ذلك، وهو الحرمان الشريفان".
تأييد نسائي
النساء، وهن الفئة المعنية بالموضوع، كان لهن رأيهن، حيث تؤيد الدكتورة نورة العجلان، عضو هيئة التدريس بجامعة "الأميرة نورة بنت عبد الرحمن"، حضور المرأة لصلاة "الجمعة"، وذلك بحسب وجهة نظرها "لما يمر به المجتمع الآن من تغيرات، ولأن كثيرا من الرجال تخلوا عن مسؤولياتهم التربوية وتوجيه الأبناء في البيت، وخاصة بعد أن اضطلعت بمهام تربوية أكثر من الرجل في حياة الأسرة في يومنا، وانطلاقا من الحديث الشريف الذي يقول (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)"، مضيفة "أعتقد أن مرافقة المرأة لأبنائها الذكور لصلاة الجمعة فيها فائدة كبيرة للمجتمع، وبات اليوم من الأفضل شريطة أن تتطور مضامين وأساليب الخطبة، بما يتوافق مع هذا التوجه بما يفيد المرأة والأسرة والمجتمع، بعيدا عن الخطب النمطية".
حضورٌ بشروط
وأما الدكتورة حياة با أخضر، الأستاذ المشارك بجامعة "أم القرى" بمكة المكرمة، فترى أن "الأصل في المسألة الإباحة للمرأة أن تصلي في المسجد، مع ربط الخيرية بصلاة البيت، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن) كما رواه أبو داود"، مضيفة "هي إباحة مشروطة بالخروج غير متزينة، ولا متعطرة، ولا متبرجة، وغير مختلطة أو مزاحمة للرجال، وبحجاب شرعي صحيح يغطي جسمها، فلا يصف ولا يشف، ولا يكون زينة في نفسه، وغيرها من شروط الحجاب الشرعي، حفظا للرجال من الفتنة، وهم الذين تجب عليهم صلاة الجماعة. وألا تضيع حقوق من تجب عليها رعايتهم وهم أسرتها"، مستشهدة بقول للشيخ ابن عثيمين حيث يرى أن "القول الراجح أنه لا يسن لها الحضور لصلاة الجمعة ولا لغيرها إلا صلاة العيد، فإن صلاة العيد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج لها النساء، وما عدا ذلك فهو مباح، لكنه ليس بمرغوب"
وتضيف الدكتورة حياة، "أما القول بأن حضورها يزيدها علما واقعيا، لتزداد فقها في تربية أولادها، فالجواب، أن العلم بكل أنواعه النافعة والضارة، بات متاحا للجميع من منافذ شتى، فالمرأة وهي في بيتها تستطيع الاستماع لخطبتي مكة والمدينة ولغيرهما، كما يمكنها الاستماع للأشرطة وإذاعة القرآن الكريم، والدروس العلمية والفتاوى الصحيحة في القنوات الفضائية المعروفة بذلك، وعلى الزوج والأبناء والآباء والإخوة إذا عادوا لبيوتهم بعد صلاة الجمعة، نقل ما سمعوه لنسائهم، وهذا من واجبات القيام بحقوقهن ومن أبواب المودة والرحمة وإشاعة الخير، ولنفترض أن الله كتب علينا صلاة الجماعة كالرجال، فكم من الحرج والمشقة والعنت سنواجه، ونحن من المفترض أننا مسؤولات عن بيوتنا ومن فيها! فالحمد لله أننا نؤمن برب عظيم له الأسماء الحسنى والصفات العليا، والتي منها أنه رحيم حكيم خبير عليم بعباده، وما جعل علينا في الدين من حرج".
خطبٌ مكررةٌ
نوع من "التردد" تبديه مديرة برامج الأسرة والطفل بالإذاعة السعودية، نوال بخش، التي ترى أنها "غير متشجعة لهذا التوجه"، معللة ذلك بأن "الخطب بعامة، باستثناء خطبتي الحرمين، أغلبها لا يلامس هموم الحياة اليومية للمجتمع بشكل واقعي، وفي أكثرها هي عبارة عن نص مكرر أو منسوخ، مما يفقده القيمة الفعلية. فلم يثبت أن هناك من الرجال من استفاد من خطبة الجمعة بما يصلح تفكيره، أو طرق تعامله مع الحياة"، مضيفة "كثير من الخطب تعبر عن رأي الخطيب تجاه أمر معين"، وبناء على ذلك تقول "أنا أفضّـل أن أستمع لبرنامج إذاعي أو تلفزيوني يكون ذا نفع، أكثر من الخطب المكررة غير المتفاعلة مع هموم ومشاكل المجتمع اليوم". معتبرة "يوم الجمعة للمرأة العاملة، يمثل فرصة لإعداد غداء أسري، يسعد به الزوج والأبناء بعد العودة من الصلاة، وهذا ما أقوم به كل جمعة، خلال استماعي لخطبة الحرم المكي الشريف".
إحياء للشعور الديني
الرأي النسائي المتحفظ للدكتورة حياة، ونقد بخش لخطباء الجمعة، وما يطرحونه في خطبهم، قابلته وجهة نظر أخرى، للمشرفة الصحية المدرسية، بالثانوية "الثانية" للبنات في "الجبيل"، شرعا بنت محمد البيشي، التي ترى أن حضور المرأة لصلاة الجمعة "أمر به كثير من الخير لها وللمجتمع، حيث سيسهم بالتأكيد في رفع مستوى وعيها تجاه كثير من القضايا التي تناقشها الخطبة"، لكنها تعتقد أنه "يجب ألا يكون ذلك على حساب التفريط في واجباتها تجاه بيتها وأسرتها". في حين ترى حنان عبد الغني الغامدي، محضرة المختبر بالمدرسة نفسها، أن المجتمع النسائي "يعيش في دائرة بعيدة إلى حد كبير عن التثقيف الديني، إلا ما ندر لدى بعضهن، عبر القنوات والبرامج الدينية، الأمر الذي يجعل دعوة المرأة لحضور صلاة الجمعة، فيه كثير من إحياء روح التفاعل مع التوجيهات الدينية بصورة أسبوعية، وتعزيز التثقيف الديني شبه المفقود للمرأة، بعيدا عن الصورة النمطية، كما يزيد من قوة تأثير هذا التوجه، كونه تجربة جديدة ستحقق غاية التأثير الإيجابي لها، من خلال توظيف جزء كبير من الخطاب للمرأة".
هذه الآراء المؤيدة، التقت مع وجهة نظر الطالبة بكلية "الآداب"، بجامعة الملك فيصل بـ"الدمام"، وجدان ظافر الشهراني، التي ترى أن حضور المرأة لصلاة الجمعة أمر "إيجابي"، لما لهذه الشعيرة "من إحياء للشعور الديني في نفوس الفتيات والمرأة بعامة، كما سيمثل مبدأ إسلاميا لتربية اجتماعية، ترتبط معه النساء بالمسجد والتوعية الدينية، في وقت تزدحم البيوت بالقنوات الفضائية الممجوجة، ووسائل الاتصال التقني التي تشغل الإنسان عن دينه لفترات طويلة خلال الأسبوع"، واجدة أن "صلاة الجمعة تأتي لتعيد المرأة لعالم المراجعة والمحاسبة، والتذكير بالحقوق والواجبات، تجاه النفس والرب والأسرة"، مضيفة في حديثها "أرى أن هذا الأمر بات ضرورة".