خلال الثورة الشعبية في تونس، وقبل الانتفاضة المصرية، انعقدت القمة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية لجامعة الدول العربية في شرم الشيخ يوم 19 يناير 2011م. خلالها أُطلقت صفارات الإنذار بوجود قنبلة موقوتة في العالم العربي اسمها البطالة، التي أصبحت معدلاتها الأعلى والأسوأ في العالم أجمع، وفاقت نسبتها 25% بين الشباب العربي عامة وفي تونس ومصر خاصة.
قبل نحو 37 سنة وافقت 14 دولة عربية على منظومة من الأسس المشتركة لانتقال الأيدي العاملة بينها. تزامن هذا الاتفاق مع تصديق 17 دولة على اتفاق الوحدة الاقتصادية العربية (الموؤودة)، حيث اشتملت المادة الأولى من الإتفاق على حرية انتقال الأفراد للعيش أو العمل، وحرية انتقال الأموال والسلع. كما اشتملت على حق المواطنين العرب في تملك العقار في أي دولة عربية أخرى.
بعد مضي أكثر من ثلاثة عقود طويلة، وفي منتصف عام 1995م، صادق المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي على اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى (الفاشلة)، والتي دعت وزراء العمل العرب إلى ضرورة وضع نظام مرن لتشجيع انتقال الأيدي العاملة بين الدول العربية وإعطائهم الأولوية في التوظيف على الأيدي العاملة الأجنبية. وفي 1996م عقد اجتماع لاحق في الكويت، حيث صادق وزراء العمل على اتفاق تشجيع انتقال الأيدي العاملة وتنظيمها. وركز الاتفاق على إعطاء الأولوية في العمل للمواطنين العرب وعلى المساواة بين العمالة المحلية والعمالة العربية. إلى يومنا هذا لم يتم تنفيذ بنود هذه الاتفاقية في الدول العربية الموقعة عليها، بل أغلقوا عليها الأدراج بانتظار اجتماع آخر بين وزراء العمل في الوطن العربي.
في مؤشر بالغ الخطورة، أكدت منظمة العمل العربية في العام الماضي أن سبب ارتفاع معدلات البطالة في الوطن العربي ينحصر في تدني المستويات التعليمية للعاطلين عن العمل، وضعف الخبرة المهنية لدى الخريجين، وغياب التدريب التقني الموجه لسوق العمل، يحتم علينا ضرورة إعادة هيكلة التعليم نوعاً وكماً، وتزويد العمالة العربية بالمعرفة والخبرة والمهنية للارتقاء بمستوى الأداء ورفع الإنتاجية.
بالرغم من أن الأزمة المالية العالمية الأخيرة كان لها الأثر الأكبر في زيادة نسبة البطالة بين شعوب العالم، إلا أن غالبية الدول واجهت هذه التحديات وسعت إلى تخفيض معدلات البطالة فيها، بينما تمادت الدول العربية في تهميش هذه الظاهرة الخطيرة، مما أدى إلى انتفاض الثورات الشعبية في تونس ومصر، الدولتين الأكثر تأثراً بنسب البطالة المرتفعة.
أما تقرير التنمية الإنسانية العربية، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أواخر عام 2009م، فقد أكد على أن 60% من الشعوب العربية هم من فئة الشباب الذين لا تزيد أعمارهم عن 25 عاما. ومع ذلك استغرب التقرير من ضعف نسبة القوى العاملة العربية التي لا تزيد عن 27% من كافة سكان العالم العربي، بينما تفوق 50% من إجمالي السكان في الدول المتقدمة. وتوقع التقرير انخفاض النسبة العربية مستقبلاً بشكل كبير خاصة أن عدد السكان العرب سيرتفع إلى حوالي 400 مليون نسمة بحلول عام 2020.
لدى وضع السياسات الاستراتيجية الاقتصادية في الدول الحريصة على رفاه شعوبها والهادفة إلى تعظيم معطياتها ومكاسبها، تعتمد أهداف حكومات تلك الدول على أربعة أركان أساسية تنحصر في تحقيق الأمن الداخلي والخارجي معاً، وتعميق الاستفادة من المزايا النسبية، وتوسيع العلاقات الدولية والشراكات الاستراتيجية، وتسخير الفكر والمعرفة لتحقيق أفضل نسب النمو الاقتصادي. جميع هذه الأركان تحتاج إلى العنصر البشري الوطني، لحماية الدولة من المنعطفات الخطيرة التي لا تحمد عقباها فيما لو أهملت، ومن مفاجآت مجهولة لا يؤمن مضجعها إذا هُمِشّت.
التحديات المزمنة التي تواجهها الشعوب العربية، ومنها هشاشة البنى الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وافتقارها إلى السياسات التنموية، أدت إلى تراجع طموحات الشباب العربي وتشتت أهدافه بسبب تفاقم آفة البطالة. ولا بد من تضافر جهود الأجهزة التشريعية مع الأجهزة التنفيذية في الدول العربية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية وتوفير الحلول الناجعة لمواجهة هذه التحديات، والتي تنحصر في تنفيذ الخطوات التالية:
أولاً: رفع مستوى معدلات النمو الاقتصادي في الدول العربية، بحيث تصبح ضعف نسبة النمو السكاني على أقل تقدير. وهذا يتحقق من خلال فتح الأسواق المحلية للتعاملات التجارية بين الدول العربية وزيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية وتطوير منشآت التصدير وتحسين أدائها كما تم في ماليزيا وكوريا وتايوان والصين واليابان.
ثانياً: إعادة هيكلة التعليم العام، بحيث تتجه مخرجاته لسوق العمل العربي الذي هو في أمس الحاجة للخبرات في ميادين إدارة الأعمال والمحاسبة والهندسة والطب والمحاماة وتقنية المعلومات والفنيين المتخصصين في البحث العلمي والتطوير التقني.
ثالثاً: تعديل أنظمة المشتريات الحكومية، بحيث تعطى الأولوية المطلقة للمؤسسات والشركات العاملة في القطاعات الاقتصادية المحلية، وذلك بناءً على ما تتمتع به هذه المؤسسات والشركات من نسب مرتفعة من العاملين المواطنين، وليس بناءً على مدى انخفاض أسعارها في المناقصات الحكومية.
رابعاً: توجيه الاستثمارات المحلية والأجنبية لملء الفراغ الكمي والنوعي في الأسواق العربية المحلية، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي في السلع والخدمات وبناء الاختصاصات المهنية من خلال تطوير الكادر الوظيفي في المنشآت الصناعية والتجارية والخدمية.
خامساً: تحديد الحد الأدنى للأجور لتشجيع المواطنين على العمل في مختلف الأنشطة والحد من منافسة العمالة الرخيصة الوافدة.
الإنسان هو المورد الاقتصادي الأول دون منازع.