تواجه حكومات ودول العالم الثالث والنامي مشكلة حقيقية تمثل تحدياً كبيراً وواضحاً. تلك هي مشكلة الإسكان، التي تُعد اليوم إحدى أهم المشاكل الباعثة على الإحباط والتململ لدى الشعوب.

وفي المملكة، فإن ما نسبته 60% من المواطنين وعلى أقل تقدير، لا يملكون مساكن، ويعود سبب ذلك إلى الارتفاع الحاد في أسعار الأراضي وبالتالي ارتفاع قيمة الوحدات السكنية المتاحة، حيثُ يبلغ متوسط سعر الوحدة 800 ألف ريال، مما يجعلها بعيدة عن متناول الشريحة الكبرى من طالبي السكن.

وفي هذا المقال محاولة لإيجاد حل – أرى أنه جذري وسريع- لمشكلة الإسكان في المملكة. وقبل أن أطرح الفكرة التي تستهدف الشريحة الكبرى والأهم، فإنه يمكن تقسيم طالبي السكن إلى الشرائح التالية:

- شريحة ذوي الدخل فوق 10.000 ريال، وهؤلاء يمكنهم شراء الوحدات السكنية ذات السعر 800 ألف ريال فما فوق في حال تطبيق نظام الرهن العقاري.

- شريحة ذوي الدخل من 5.000 آلاف إلى 10.000 آلاف وهؤلاء لا يمكنهم شراء وحدات سكنية حتى وإن تم تطبيق نظام الرهن العقاري.

- شريحة ذوي الدخل الأقل من 5.000 ريال، وهؤلاء لا يمكنهم الشراء إلا بدعم من الدولة، وهم الشريحة المستهدفة من هيئة الإسكان.

إن الشريحة الكبرى والأهم في المملكة هي الشريحة الثانية، وهذه الفئة هي التي يجب أن يوفر لها وحدات سكنية مناسبة بقيمة 400.000 ريال وبقسط شهري لا يتجاوز 1800 ريال، مما سيتضح بيانه في هذا المقال.

وبما أن الأرض باتت تمثل حوالي 50% من قيمة الوحدة السكنية، فإن الحل يكمن في إيجاد أرض لا يتجاوز سعر المتر فيها 100 ريال فقط، فكيف يتم ذلك؟!

يتم ذلك من خلال تخصيص أرض مناسبة لذلك، تحقق تطلعات المواطنين وتساهم بشكل جذري في حل مشكلة الإسكان.

هذه الأرض - التي أقترحها - تقع ضمن حدود مطار الملك خالد الدولي بالرياض، وتبلغ مساحتها حوالي (70 مليون متر مربع) ويحدها من الشمال طريق الطيران الخاص ومن الجنوب طريق الثمامة، ومن الغرب طريق المطار ومن الشرق طريق خزام. وتمتاز هذه الأرض بموقعها المتميّز، حيث تخدمها عدة طرق ومنافذ، كما أن موقعها في شمال شرق الرياض سيجعل من فئات كثيرة من متوسطي الدخل وما فوق يتنافسون على السكن في هذه المدينة السكنية العصرية.

هذه الأرض إذا تم تقسيمها وفقاً لما هو متعارف عليه، فسيتم اقتطاع 40% منها للخدمات العامة والمرافق. و 15% للقطع التجارية، وسيكون المتبقي منها حوالي (31 مليون متر مربع)، وإذا افترضنا أن مساحة الأرض المُراد بيعها على المواطن تبلغ (400م) فإنّ هذا يعني توفير (78000) قطعة أرض سكنية.

وبما أنّ سعر تطوير المتر الخام يكلّف حوالي 100 ريال للمتر المربع، فهذا يعني أن تكلفة تطوير الأرض وتجهيزها، تطويراً عصرياً، سيكلف (7 مليارات ريال). وإذا ما تم بيع المتر من الأراضي السكنية بمبلغ (100 ريال) فإن قيمة بيع الأراضي السكنية ستكون بمبلغ ( 3 مليارات ريال). أما التجاري والبالغة مساحته حوالي (10,5 ملايين متر مربع) فسيتم بيعه وفق مزاد علني، ومن المتوقع أن يبلغ سعر المتر في حده الأدنى (1500 ريال) فبذلك ستكون قيمة بيع الأراضي التجارية (15 مليار ريال). أي إن القيمة الإجمالية لبيع كامل الأرض ستكون (18 مليار ريال). ويتضح أن مبلغاً مقدراه حوالي ( 11 مليار ريال) سيتوفر بعد بيع أراضي هذه المدينة، وهذا المبلغ يمكن أن يُستخدم كضمان لدى البنوك التجارية لتتمكن من إقراض المواطنين للشراء في هذه المدينة.

إنه يجب أن يتم تطوير هذه الأرض تطويراً عصرياً يتماشى مع متطلبات الشباب، من حيث توفير كافة الخدمات، من مدارس وحدائق ومرافق حكومية، وغيرها من خدمات البُنية التحتية الذكية العالية والمتطورة. مع مراعاة أن الأرض التجارية عند بيعها في مزاد علني ستكون مخططة مسبقاً ومحدّدا مجال خدماتها، هل هي مجمع تجاري أم محطة أم غير ذلك، وفقاً لحاجة الموقع.

وقبل الشروع في عملية بناء الوحدات السكنية، يتم تأهيل عدد من الشركات لتصميم وحدات مختلفة التوزيع والتصميم حسب معايير البناء الموحدة. كما يتم تأهيل الشركات لبناء هذه الوحدات السكنية ضمن حدود الأسعار السابقة، حسب رغبة وطلب المتملّك، مع أخذ الضمانات كافة، وترك الحرية للمواطن لاختيار التصميم والتوزيع المناسب له واختيار الشركة المنفذة لمشروعه.

ولكي يحقق هذا المشروع أهدافه، وحتى لا تكون المسألة تجارة، فإن من الواجب وضع شروط صارمة على المواطنين، من ذلك أنه لا يحق للمواطن امتلاك أكثر من قطعة أرض سكنية، ولا يمكنه التصرف فيها قبل 5 سنوات من تملّكه لها، وأن يكون متزوجاً ولم يستفد من خدمات الصندوق العقاري، وأن يوقع عقداً بتنفيذ وحدته السكنية في مدة لا تتجاوز الشهور الثلاثة من تاريخ استلامه الأرض.

كما يجب اعتماد (كود) بناء موحد لتطبيق الإنتاج والبناء بالجملة، فإن هذا سيُمكّن من تخفيض التكلفة إلى السعر المستهدف.

ولأجل الإسراع في تنفيذ مشروع هذه المدينة السكنية العصرية، وبعيداً عن الإجراءات البيروقراطية، فإنني أرى أن يُعهد بإدارة المشروع والإشراف عليه إلى جهة مستقلة تكون مسؤولة تمام المسؤولية أمام الدولة وأمام المواطن في كل ما يتصل بتنفيذ المدينة، من حيث الجودة والإنجاز وتنفيذ البُنية التحتية.

إنني أرى أنه لو نُفذ مشروع هذه المدينة السكنية العصرية وفق ما تم اقتراحه، فإن المشروع لن يستغرق أكثر من 3 سنوات، وسيجني المواطن والوطن فائدة ذلك سريعاً، وسيكون لهذه المدينة تأثيرها الكبير على قطاع الأعمال وعلى قطاع الأراضي، الذي يشهد ارتفاعاً في الأسعار غير مبرر. كما أن هذه المدينة العصرية وفي حالة نجاحها في مدينة الرياض فإنه بالإمكان تنفيذ مدينة مشابهة لها في مدينة جدة والمنطقة الشرقية، ثم تعمّم التجربة على بقية مدن المملكة الكبرى.