تغبط الرياضة السعودية والقائمون عليها عطفا على أن الفرص المتاحة أمامها لا تتأتى لكثير من بلدان العالم, وهذا من فضل الله أولا ثم بفضل ما تتمتع به بلادنا الغالية من مكانة وقيمة وثقل دولي معتبر من كبريات الدول إلى الدول الناشئة, فقد حظي قطاع الرياضة والشباب باهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين بأن جعلت من تطوير الشباب والكوادر الرياضية بندا (شبه) ثابت في كثير من المعاهدات والاتفاقيات الدولية, وما مذكرة التفاهم الرياضي والشبابي السعودي البريطاني إلا واحدة من جملة مذكرات تحتفظ بها أجندة الرئاسة العامة لرعاية الشباب منذ 1987.

لكن ما يؤخذ على المذكرة السعودية البريطانية أنها محدودة الأثر والتأثير لعدة أسباب من أهمها: أن الرياضة في بريطانيا لم تعد ضمن الصفوف الأولى عالمياً في كثير من الرياضات الجماعية والفردية, وكذا أساليب عمل النشاطات الرياضية البريطانية متأخرة قياسا بدول مثل إسبانيا وفرنسا وألمانيا والصين وكوريا الجنوبية والبرازيل.

والبنية التحتية للرياضة البريطانية تشهد ترهلا واضحا تشير إليه على الدوام وسائل الإعلام البريطانية عند كل حالة إخفاق تقع فيها ألعابهم المختلفة.

وأوضح لي أكثر من كادر رياضي سعودي سنحت له فرصة زيارة البنى التحتية البريطانية أن ذهابهم المستمر مع هذه المذكرة غير ذي جدوى للرياضة السعودية، ويستحسن استبدال هذا الاهتمام والمتابعة والاجتماعات الدورية بين الطرفين (السعودي والبريطاني) بمكان آخر أقترح أن يكون تحديدا نحو إسبانيا، فالرياضة فيها لم تعد في حاجة للذكر هنا كي يعلم الجميع بأنها في مقدمة ركب الرياضة العالمية في غالبية الرياضات فضلا عن هيمنتها على كرة القدم على مستوى المنتخبات والأندية, وكذا تحقيق الدوري الإسباني أفضلية عالمية ومتابعة جارفة في كافة دول العالم.

أعتقد أن المدة التي منحتها الرئاسة العامة لرعاية الشباب للمذكرة, كانت كافية بل مبالغا فيها لتضيف إلى الرياضة السعودية جديدا، لكن لم يحدث شيء من الفائدة المرجوة من خلال هذه المذكرة، ووجب أن ننتقل إلى واقع آخر مهم ومفيد جدا, فلئن كانت وما تزال علاقات الشعبين السعودي والبريطاني تشهد تلاحما وثيقا في كافة المجالات ومنها الرياضة, فإن مملكة إسبانيا هي الأخرى تحظى بعلاقة متميزة مع السعودية منذ عقود وما تزال تحتفظ بتلك العلاقة الحميمية بين الشعبين والحكومتين الصديقتين, ومن هذه القاعدة الأساسية تستطيع الرياضة السعودية الحركة تحت هذه المظلة رغبة في التغيير نحو الأفضل والسعي للاستفادة من خبرة وتجربة الرياضيين الإسبان لما فيها من تطور وتقدم الرياضة السعودية في الحاضر والمستقبل, وكرة القدم أنموذج إسباني يحتذى حبذا لو سعى الاتحاد السعودي إلى توثيق العلاقة المشتركة مع نظيره الإسباني ووقع معه مذكرات تفاهم وتعاون على أرض الواقع وليس مجرد مذكرات بروتوكولية تنتهي بانتهاء الزيارة.

إن واقع وحاضر الرياضة الإسبانية يحفز بالفعل بأن نجعل منه أنموذجا لرسم مستقبلنا الرياضي وبما يتلاءم مع ظروفنا وخصوصيتنا, وبالإمكان نقل تجربة الأكاديميات الكروية الإسبانية على غرار أكاديمية برشلونة والريال في أعلى معاييرهما الفنية والمهارية إلى المملكة, وأن يكون هناك استثمار وتعرف جاد على آليات عمل لجان الاتحاد الإسباني و منطوماته التنظيمية والإدارية, فما تحقق من نجاح للرياضة الإسبانية مؤكد أنه لم يكن من فراغ أو على سبيل الصدفة.

إن عصر الشفافية والمعايير الواضحة التي يرسم على أساسها الوزير الرابع للرياضة السعودية الأمير نواف بن فيصل بن فهد منذ توليه زمام الأمور, سيكون من ملامحه و منطلقاته الكثير مما سيتناسب مع النموذج الرياضي الإسباني, ويرتبط الرئيس العام بعلاقات حميمية جدا مع الرياضيين الإسبان ستسهم في تسريع خطى أي مذكرات تعاون و تفعيلها على أرض الواقع, ولكونه عضو لجنة أولمبية دولية يمتلك خبرات كبيرة في كيفية استثمار نجاحات الدول ونقلها إلى بلده بحكم أنه بات صاحب قرار أول حاسم, والرياضة السعودية أحوج ما تكون في الوقت الحاضر إلى قرارات حاسمة و آليات عمل حديثة و فكر جديد يقدم رؤية عصرية مثمرة.