إذا قرأت فلم يفتح الله عليك، فأعط التعليمات إلى دماغك الذي لا يعرف النوم، بالاشتغال على البحث، فقد كان عويص المسائل يفتح على ابن سينا ليس في اليقظة، بل في النوم ومع الحلم، فيستيقظ وقد انجلت له المسألة.

ومما يروى عن (أوجست كوكول) أن أمر الكيمياء العضوية استعصى عليه، فكيف يمكن من ذرات الكربون أن يتشكل السكر؟ والسكر حلو والكربون فحم؟ حتى فتح الله عليه بفكرة الحلقة البنزينية، وكان ذلك في النوم فاستيقظ كالمجنون، وبدأ برسم الأفعى التي رآها.

ثعبان يطوق نفسه ويلتهم ذيله، إنها الحلقة المطوقة، إنها ذرة كربون مرتبطة بأخرى، وعلى شكل حلقة يمسك أولها بآخرها.

ومن هذه الحلقة دخلنا إلى علم الكيمياء العضوية، وهي غير الكيمياء المعدنية، فكل الطبيعة تقوم على عنصر الكربون بشكل رئيسي يضاف له الهيدروجين والأوكسجين والآزوت بشكل جانبي، وهو الذي يفسر لنا لماذا يتبقى من حرق العضويات الفحم والكربون، بل إن الكربون والبترول هو مخلفات كائنات عضوية في مناجم وطبقات الأرض.

وهو ما قال عنه الله والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، أي أن نهاية النبات كربون وفحم.. الأحوى الأسود. تعبيرا عن دورة حياة الكائنات؛ فبعد الانبثاق والازهرار والزهو والجمال، حطام وكربون تذروه الرياح وكان ربك على كل شيء مقتدرا...

وما حدث لأوجست كوكول وابن سينا يشكل ظاهرة مكررة للكثيرين حين يشتد الطلب لفكرة وأمر فيعثر عليه الدماغ في ظلمات المنام.

وهو أمر ذكره الله في سورة يوسف عن رجل لا يسمى صالحا فتكرر له المنام عن سبع بقرات نحيفات يفترسن بقرات سمان مثل الكانيباليزم، حتى جاء يوسف الصدق ففسر ذلك تحت مسؤولية مجاعة شعب من إنقاذه، وهو يقول لنا إن الأفراد الملهمين قد ينقذون القطيع في لحظات الخطر، كما أن القيادات السياسية الضالة قد تقذف بالجموع في حطب جهنم كما كان الحال مع هتلر وصدام وآخر من شكله أزواج.

واستفدت من الفيلسوف محمد إقبال من كتابه تجديد التفكير الديني عن مثل هذه الظواهر الإنسانية المشتركة، حين قال إن الوحي ظاهرة كونية كما أوحى الله إلى أم موسى أن أرضعيه، وأوحى إلى النمل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومما يعرشون.

وهذا الموضوع يقودنا مباشرة إلى علم الباراسيكولوجيا وهو علم لم يتأسس بعد ولذلك نسميه تجاوزا علما، وقد قرأت عن جامعة ديوك (Duke) في أمريكا أنها بدأت في تدشين هذا الحقل المعرفي واستقصائه على نحو علمي، وأطلعني الأخ الفريح من مؤسسة العبيكان على بحث مثير من باحث ألماني عن دورات الروح نشرته مجلة بيتر موسوللايتنر يختصر لها بحرفي (PM).

وعلم النفس الفائق أو الموازي (البارسيكولوجيا) يبحث في خمس معضلات تحتاج التفسير، مثل المنام الذي تحدثنا عنه، والتيليباثي وهي إمكانية التحدث مع الآخرين من بعد مثل الموبايل الدولي، أو ما جاء في قصة سارية الجبل مع عمر، وتحريك الأشياء بطاقة الروح، والتنبؤ عن واقعات لم تقع بعد، أو أمور وقعت عن بعد فيراها الإنسان في المنام كما حدث معي أنا شخصيا فاتصل لأقول لهم مثلا أنا أعرف أن ابنتي مصابة ولكن أخبروني عن خطر الإصابة، بل لقد رأيت في يوم وأنا في ألمانيا ابنتي مصابة بجرح في حاجب العين الأيمن ثم تبين أنه فعلا قد وقع وصدق.

أما التنبؤ التاريخي فأظن أن المخابرات الأمريكية عندها استعداد دفع وتوظيف المليارات لو يمكن لها أن تعرف شيئا قبل انفجار الثورات وضياع الثروات وتبخر أحلام الرأسماليين.