في الوقت الذي تسعى فيه وزارة التربية والتعليم للحد تدريجيا من الاعتماد على المباني المستأجرة، واستخدامها كمقار تعليمية ومدارس، تمهيدا لـ"القضاء" على هذه المشكلة، نجد أن عددا من المدارس الأهلية، تتخذ بيوتا مستأجرة مقار له، وسط أحياء سكنية، مما يطرح استفهاما عمن سمح لها بذلك، وهل هذا السماح مصدره أنه تقليل العبء عن وزارة التربية والتعليم، بسبب "عجز" الوزارة عن تأمين مدارس حكومية لكافة الأحياء، وخاصة في ظل التوسع العمراني المستمر، وتزايد أعداد الطلاب والطالبات، وشح في توفير المباني المدرسية الحكومية، وربما أراضيها؟!.
المتأمل يلحظ انتشارا هائلا للمدارس الأهلية في الأحياء بشكل كبير، حتى أصبحت تزاحم نظيراتها الحكومية في الحي الواحد. إلا أن اللافت هو تدافع الكثير من أولياء أمور الطلاب والطالبات، لإلحاق أبنائهم بتلك المدارس، رغم ارتفاع رسومها، وتواضع خدمات البعض منها. فماذا تقدم تلك المدارس على عكس نظيراتها الحكومية حتى يتدافع عليها الناس؟
"الوطن" تتبعت موضوع هذه المدارس، وبحثت عن إجابات لعدد من الأسئلة، التي تدور في أذهان الكثير من أولياء أمور طلاب وطالبات المدارس الأهلية، حاملين هذه الاستفهامات، لمدير عام التعليم الأهلي والأجنبي بوزارة التربية والتعليم، الدكتور خالد السحيم، وإلى مكتب مدير إدارة التربية والتعليم بمنطقة الرياض "بنات"، الدكتور محمد العمران.
رسوم الدراسة
قضايا عدة، هي مثار بحث فيما يخص المدارس الأهلية، منها رسوم الدراسة، التي يدفعها أولياء الأمور. وهي الرسوم التي تختلف من مدرسة لأخرى، وتزداد ارتفاعا كذلك، كلما كانت المدرسة تمتلك مؤهلات تعلمية أكبر، إلا أنها أيضا مرتفعة في عدد من المدارس ذات الإمكانات "المتواضعة". المسؤولون في وزارة التربية والتعليم أوضحوا من جهتهم، أن الوزارة لا تتدخل في تحديد الرسوم الدراسية للطلاب والطالبات بالمدارس الأهلية التي تشرف عليها، معتبرة هذا الأمر خاضعا لكلفة الاستثمار، وقُدرة ولي الأمر، وقانون العرض والطلب، ومشيرة إلى أن تحديد الرسوم يقدره المستثمر، في ضوء مستوى جودة وتميز ما تقدمه مدرسته من خدمات وبرامج تعليمية، وقياسه للتكلفة والعائد على هذا الاستثمار، وبالتالي ولي الأمر هو صاحب القرار بالرفض أو القبول، للتسعيرة التي تضعها كل مدرسة.
مخالفات
مدير إدارة التربية والتعليم بمنطقة الرياض "بنات" الدكتور محمد العمران، ألمح في حديثه لنا، إلى "عدم خلو بعض المدارس من المخالفات، وأبرزها ما يتعلق بنظام الكفالة ونسبة السعودة"، مشيراً إلى أن "مثل تلك المخالفات ترصد وترفع بتقارير عن طريق لجنة فرعية لمخالفات المدارس الأهلية، مكلفة بكل مكتب تربية وتعليم، لتقوم اللجنة الرئيسة بإدارة التعليم الأهلي والأجنبي بدراستها، وفق اللوائح والتعاميم، والرفع بتوصياتها بالعقوبة المناسبة للجهة المختصة".
مستوى تعليم مرتفع
التعليم الأهلي، يتهمه البعض بانخفاض المستوى، وهو الأمر الذي نفاه العمران، رافضا التعميم في القول بأن جميع المدارس الأهلية تتساهل في نجاح الطالبات دراسياً، منوهاً إلى أن "هناك الكثير منها عالي المستوى، في تقديم الخدمات والبرامج التعليمية، مما يجعلها في تنافس مستمر، وبحث دائب عن ميزات تنافسية في المجال التعليمي". ولفت العمران إلى أنه "مع التفجر المعرفي والتقني المستمر، ووجود الوعي لدى كل من أولياء الأمور والطالبات للبحث عن الجودة والتميز في المدارس الأهلية، من أجل الالتحاق بالتعليم الجامعي في الجامعات المحلية والعالمية المتميزة، أصبح ولي الأمر هو من يسعى للمدرسة الأهلية المتميزة، ويطالبها بالتحسين والتطوير المستمرين، من منطلق أنه والطالبة عنصران مهمان من عناصر العملية التعليمية"، مؤكداً أن المدارس الأهلية "أصبحت أكثر جدية وحرصا على جودة برامجها وخدماتها التعليمية وتميز مخرجاتها، في ظل وجود متابعة دقيقة من المشرفات المختصات، من خلال تفعيل لجنة "المؤاخاة" في المدارس الأهلية". كما أكد العمران في ذات الوقت، حرص "التربية" على "جعل كل المدارس الأهلية تصل إلى مستوى متميز في جميع عناصر العملية التربوية والتعليمية، لتحقق الرضا لأولياء الأمور وبناتنا الطالبات"، كاشفا عن أنه "لا يمكن منح أي مدرسة أهلية الترخيص، ما لم تنطبق عليها الشروط المطلوبة".
إعانات مالية
وبخصوص تقديم مساعدات مالية للمدارس الأهلية، عبر وزارة التربية والتعليم، أكد الدكتور العمران أن "المدارس الأهلية تخضع لتقييم سنوي، يتم تصنيفها في ضوئه إلى أربع درجات، وتعامل وفقاً لذلك، وتتم محاسبة المدارس في حال إخلالها برسالتها التربوية، وقد يصل الأمر إلى سحب الترخيص منها، وهذه ضوابط حددتها وزارة التربية والتعليم". مضيفا أنه تتم "متابعة المدارس الأهلية إداريا وفنيا، من قبل كادر إشرافي متخصص في مكاتب التربية والتعليم الفرعية، من خلال الزيارات الميدانية المستمرة لتلك المدارس، على مدار العام الدراسي، ومتابعة سير العمل الإداري والعملية التعليمية والتدريسية، ويتم التقييم الشامل لمستوى الأداء وفق معايير علمية تربوية موحدة، تغطي جميع الجوانب، وتشمل: الهيئتين الإدارية والتعليمية، المبنى المدرسي، شؤون الطلاب والطالبات، التجهيزات المدرسية والرعاية صحية، ومدى الاهتمام بالتدريب والتطوير"، موضحا أنه "في ضوء تلك النتائج يتحدد مستوى المدرسة: الأول، أو الثاني، أو الثالث، في سجل خاص، هو سجل الإعانة السنوية. وفي حالة حصول المدرسة على مستوى أقل من الثالث، تستبعد من الإعانة السنوية، وإذا تكرر ذلك لثلاثة أعوام متتالية تغلق المدرسة".
سعودة المعلمين
تسرب المعلمين والمعلمات السعوديين من المدارس الأهلية، أمر اعترفت بوجوده وزارة التربية والتعليم، معتبرة أن ذلك يشكل لها قلقاً دائماً. لكنها في ذات الوقت، تنصلت من مسؤوليتها فيما يتعلق بالالتزامات المالية، بين ملاك المدارس الأهلية ومعلميها، حيث أشارت إلى أن تلك المسألة "خاضعة لقانون وأنظمة وزارة العمل"، لاسيما أن هناك رواتب "متدنية" لعدد من المعلمين السعوديين في بعض المدارس الأهلية، إن لم يكن في غالبيتها.
وفي هذا الخصوص، أوضح لـ"الوطن" مدير عام التعليم الأهلي والأجنبي الدكتور خالد السحيم، أن الوزارة تحرص على "تلبية حاجات جميع المدارس الأهلية من المعلمين، سواء من خلال توفير بيانات المعلمين السعوديين، أو منح التأشيرات. لكن المدارس ترتبط في هذا الأمر بوزارة العمل والقنصليات السعودية في الخارج، وقد تطول بعض الإجراءات الداخلية أو الخارجية، التي تحول دون وصول المعلمين في الوقت المحدد".
مباني المدارس الأهلية
المدارس الأهلية ووجودها في مبان مستأجرة، وسط الأحياء السكنية، موضوع طرحناه، على السحيم، الذي لفت إلى ضرورة "موافقة البلديات بالمدن والمناطق على الاشتراطات الخاصة بافتتاح أي مدرسة أهلية"، موضحا أن "تحديد مواصفات وطبيعة الطرق التي تقع عليها تلك المدارس من اختصاص البلديات، وأن وقوع المدرسة الأهلية على شارع تجاري هو من اشتراطاتها".
ولفت السحيم إلى أن وزارته تعمل على "معالجة القصور بمباني بعض المدارس الأهلية المستأجرة، والتي لا تحوي صالات ومساحات كافية ومخصصة للطلاب"، موضحا أن هناك "رغبة في عدم الحد من النمو المتسارع لقطاع التعليم بشقية الحكومي والأهلي".
مواصفات المستثمر وضوابطه
الاتهامات التي يسوقها البعض من وجود أفراد أو شركات لمنسوبي القطاع التعليمي العام يستثمرون من خلالها في التعليم "الأهلي"، أمر نفاه السحيم مؤكداً أن إدارته لديها "قائمة بأسماء مُلاك المدارس الأهلية القائمة حالياً، وجميع مستثمريها من خارج القطاع الحكومي". منوهاً إلى أنه "من حق منسوبي الوزارة بعد تقاعدهم، أن يستثمروا في مجال المدارس الأهلية، ويوظفوا خبراتهم التعليمية والتربوية الإيجابية في مجال استثمارهم"، موضحا أن هنالك شروطا يجب توفرها في المستثمر، ومنها "ألا يقل عمره عن 25 سنة، ولا يقل مؤهله الدراسي عن المرحلة الثانوية، ولا يكون موظفاً حكومياً، وأن يكون سعودياً، أو مواطناً خليجياً".
الراحة والسعة
وكانت "الوطن" قد أجرت لقاءات متعددة مع أولياء أمور طلاب وطالبات، يدرس أبناؤهم في مدارس "أهلية" مختلفة في العاصمة الرياض، وكانت إجاباتهم متقاربة، حول دوافعهم لإلحاق أبنائهم بتلك المدارس، وترك المدارس الحكومية. حيث كان البحث عن "الراحة والسعة في الفصل الدراسي، والحرص على المتابعة والرقابة الشديدة لأبنائهم بالمدارس، وتوفير المواصلات لهم" هي النقاط الأبرز في إجاباتهم. بينما عبر البعض عن أن عددا من المدارس الأهلية لا يلتحق بها إلا طلاب وطالبات من"طبقة معينة"، فيتعلم منها الأبناء السلوكيات الحسنة والجيدة، بالإضافة إلى أن المدارس الأهلية المميزة، "تقدم خدمات تعليمية إضافية" لأبنائهم الطلاب والطالبات، من أهمها تدريس اللغة الإنجليزية مبكراً لهم، بحسب ما أدلى به عدد من أولياء الأمور.
طلاب مدللون
الطلاب من جهتهم، اعتبر بعضهم أنهم "مدللون"، على عكس طلاب المدارس الحكومية، وأنهم يلمسون مدى التعامل المميز من معلميهم، وإدارة مدارسهم.
وهذا الدلال بحسب بعض الطلاب مرده إلى حرص أولياء على بحثهم عن إبلاغهم بأي "إهانة أو أذى يتعرضون له، ولو كان الموقف تافهاً، أو كان الطالب نفسه هو المخطئ". في الجانب الآخر، نفى بعض الطلاب أن يكونوا "مدللين"، مشيرين إلى أن أولياء أمورهم "لا يرضون بذلك"، وأن هنالك من آبائهم من يأتي إلى المدرسة، ويطالب بعقاب ابنه إذا أخطأ.
وبخصوص تعامل المعلمين والتساهل مع الطلاب، أجمع الطلاب الذين التقتهم "الوطن"، في مدرستين أهليتين، على أن تعامل معلميهم معهم، سواء في شرح الدروس، أو في طرح الأسئلة، يختلف تماماً عن المدارس الحكومية، وأن "هناك مساعدة وتخفيفا، ومحاولة لإرضائنا، لو بشرح الدروس مراراً، للحصول على نتائج مرضية". مشيرين إلى أن ذلك يكثر في "تعامل المعلمين المقيمين، على عكس السعوديين، الذين يتعاملون بشدة نوعاً ما".