من مخاطر الإعلان أنه يخلق احتياجات مصطنعة مما يؤدي إلى الانشغال بالأمور المادية، وذلك من خلال إعادة هيكلة القيم لدى المستهلك بحيث يجعله يؤمن، وعادة من خلال السيطرة على المشاعر والعواطف، بأن الطريق لحياة أكثر سعادة يكمن في الحصول على المزيد من السلع والمنتجات والخدمات المختلفة، خطره ليس فقط باعتماده على دراسة سلوكيات واحتياجات الجمهور المستهدف بل أيضا لأنه يقدَّم وبشكل متكرر وبأساليب مقنعة وقوية جدا، فنجد أن المستهلك في كثير من الأحيان يقف عاجزا عن الدفاع عن نفسه أمام مغريات كهذه، ومع مرور الزمن تتغير اتجاهات المجتمعات خاصة التي تعيش في فراغ ثقافي بسبب الضعف والتشتت الذي أصاب مصادرها التقليدية، كالأسرة والمجتمع والمؤسسات الدينية والتربوية.
ولكن ماذا عن خطره بالنسبة للأطفال؟ في نظرة سريعة على المواقع التربوية على الإنترنت ستجد أن أهم الأخصائيين في مجال التربية قد عبروا عن قلقهم تجاه تأثير الإعلان على نمو الطفل، بسبب عدم قدرته على التمييز بينه وبين البرامج الأخرى، ونظرا لافتقاره إلى الخبرة فهو يصدق بأن كل ما يقدم له على أنه الحقيقة، وبذلك يكون أقل مقاومة للإعلانات، ومن هنا تتم برمجته على أخلاقيات وقيم قد تكون بعيدة كل البعد عن معتقدات وقيم مجتمعة، كما يحدث مع الشباب تماما ولكن بطرق أخرى، فتجدهم تارة يصنفونهم إلى فئتين إن لم تكن مثل هؤلاء فأنت مثل أولئك، يعني صورة جميلة أو مسلية وحيوية وعكسها، ماذا؟ هل يعني أنه لا يوجد نوعيات أخرى من الشباب غير التي عرضت؟! وتارة أخرى عن طريق مخاطبة الغرائز وبشكل فاضح وأحيانا مقزز، مثل إحدى دعايات معطرات الجسم للرجال التي يتحول الرجل فيها لقالب من الشوكولاته، حيث نجد أنها تخاطب الرغبات المكبوتة لديه وتعده بتحقيقها وطبعا ليس بالقول بل من خلال الإيحاء! أما المرأة فيعلمون جيدا من أين المدخل، "لكي تكوني جميلة سيدتي استخدمي منتجنا" (أي إنه بقدرة قادر سيحولك إلى غزال شارد)! أو من خلال الربط بين شخصية معروفة ومنتج معين، قد يدعي أصحاب الإعلان بأن هدفهم الوحيد هو البيع أو الترويج لخدماتهم، وقلة هم الصادقون والحريصون على عرض المنتج خارج إطار التحكم والإيحاء، لكن المهم هنا أن ندرك بأن هذا المجال لديه القدرة على تغيير الثقافة وتوجيه السلوك البشري، ومن هذا المنطلق يجب أن توجد مؤسسات بحثية لدراسة هذه التغيرات في مجتمعاتنا بحيث تصاغ من خلالها قوانين تحد من التأثرات السلبية، على الأقل لنبدأ بالتوعية، لأن ما يحدث أولا وأخيرا تلاعب في تلاعب ونحن من يدفع الثمن ليس من جيوبنا فقط بل من حياة بقيم وأخلاقيات كانت يوما لنا وأصبحت اليوم بين أيديهم!
