رائعة تلك القراءة الواعية التي قدمها الدكتور حاتم الصكر لتجربة (أبو القاسم الشابي) من خلال نصه الشعري (قال قلبي للإله) حين اعتبر الشابي جسراً ثقافياً بين المغرب والمشرق، فهو يمتلك امتداداً متعدد الجوانب في الزمان لأنه جاء في مطالع نهضة أدبية وشعرية حاسمة، ومرحلة من البحث عن طرق جديدة في الفن والحياة وفي المكان، لأنه ألغى تلك المسافات التي باعدت بين المشرق والمغرب ثقافياً واجتماعياً، وفي الفن حيث كانت أشعاره لوحات تجسد المنحى الرومانسي الذي انتشرت ظلاله في أدب العالم وفنونه المختلفة بعد صدمة الحرب الكونية الأولى، وبشاعة آثارها المدمرة على البشر، والطبيعة والحضارة الإنسانية، أما أدواته الأسلوبية فعبر عنها الدكتور صكر بسهولة المفردات والتراكيب، وقصر الجمل الشعرية، وتوخي الموسيقى الهادئة، والإيقاعات الأليفة، وتنويع القوافي والأشطر الشعرية، تحديثاً وملاءمة لإيقاع العصر الذي عاصره وأسهم فيه بجهده الشعري والفكري يقول الشابي: (إذا كنت أدعو إلى التجديد وأعمل له، فإن ذلك لا يدفعني إلى الهزء والسخرية من آداب الأجداد، بل إنني لأؤمن كل الإيمان بما فيها من جمال فني وسحر قوي، وأعتقد أنها قد آتت في عصورها الحية لأجدادنا كل ما طمحت إليه أشواقهم من غذاء معنوي، ولكني أؤمن إلى جانب ذلك أن في الحياة آفاقاً مجهولة ساحرة غير ما في الأدب العربي من آفاق، وأن هذا الأدب إذا كان قد سدَّ خلة آبائنا الروحية فإنه لعاجز عن أن يشبع ما في أرواحنا من جوع وعطش وطموح)، ويتحدث الدكتور عن حصة الطبيعة في شعر الشابي وتواشجه وافتتانه بها، وذلك واضح في المفردات المنتزعة من قاموس الشابي الأثير وترميزه الدائم للخلق والتكوين والموت والسؤال عن المستقبل المجهول. يقول نص الشابي محور الدراسة: في جبال الهموم أنبت أغصاني فرقت بين الصخور بجهدِ، وتغشاني الضباب فأورقت وأزهرت للعواصف وحدي. وتمايلت في الظلام وعطرت فضاء الأسى بأنفاس وردي، وبمجد الحياة والشوق غنيت فلم تفهم الأعاصير قصدي، ورمت للوهاد أفناني الخضر وظلت في الثلج تحفر لحدي، ومضت بالشذى فقلت ستبني في مروج السماء بالعطر مجدي، وتغزلت بالربيع وبالفجر فماذا ستفعل الريح بعدي؟، في قراءة الدكتور حاتم الصكر لهذا النص ودراسته النقدية له كشف نزعة الشابي وولعه بتصميم عناوين نصوصه بتنوع لافت، كما حلل الدلالات في استهلالاته وأنساق تراكيبه وإيقاعاته وبنائياته وتأويلاته ومقاصده ومواءمته بين الرومانسية بتجلياتها الإنسانية والدعوة إلى القوة والعزم والعيش في قلب الحياة.