منذ اندلاع الشرارة الأولى لثورة الغضب الشبابي المصري برزت عدة شخصيات نسائية شابة لتتحدث باسم الثورة ولسانها الحقوقي الإنساني، بمطالبات واضحة لا تحيد عنها. "نوارة نجم"، أحد هذه الأسماء البارزة، وهي كاتبة صحفية بارعة، ومترجمة حاذقة، ومتحدثة مفوهة استضافتها قناة "الجزيرة" عددا من المرات في الأيام المنصرمة، لتتحدث بخطاب رصين؛ مفعم بالثقة والفهم الواعي لمجريات الأمور، وقدرة على التحليل والقراءة الواعية. تعتمد مقالات نوارة الاجتماعية على السخرية اللاذعة والالتقاطات الذكية لأبرز التحولات في حياة المصريين، ولها سلسلة من المقالات بعنوان "الطافرون" توجه فيها مشرط نقدها لممارسات صارت تعتبر الدناءة ذكاء، والقسوة عملية، والنذالة تخطيطا استراتيجيا، والتسول وظيفة! وللتسول هنا بعد مجازي يلتبس به كثير من الممارسات التي يتقاطع فيها السياسي مع الاجتماعي في المشهد المصري. "نوارة" عقل مختلف وفكر شبابي واع يتحدث بلغة العصر وأدواته، تتشبث بحبل الأمل وهي ترى الطافرين يعودون إلى طبعهم السوي لينادوا بحقهم في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة. و"الطافرون" اسم أطلقته نوارة على ما رأته في مجتمعها من اندماج متناقض بين أخلاق القرية (وهو المصطلح الذي أدخله السادات على قاموس الحياة السياسية في مصر) وكامب ديفيد، وهاهي اليوم تبتهج والمصريون ينفضون عنهم ـ طفرتهم المصنعة ـ لتعود الحياة لتسري في عروقهم من جديد. تشربت نوارة روح الثورة واللغة اللاذعة الساخرة من أبيها ـ الأشهر من نار على علم ـ الشاعر "أحمد فؤاد نجم" ومن والدتها الصحفية والكاتبة المعروفة "صافيناز كاظم".

وفي عام 2006 أنشأت مدونتها "جبهة التهييس الشعبية" التي تعبر فيها عن آرائها السياسية بلغة ساخرة قريبة من لغة الشارع، لتحتل عبارة (الحرية لم تخلق إلا لمن يحملون أرواحهم على أكفهم) صدر صفحتها.

اسم نسائي آخر برز في الأيام الماضية، وهو اسم "أسماء محفوظ"، وهي أحد عرابي الثورة ورموزها البارزة، حيث إن الفيديو الذي صورته لنفسها ووضعته على اليوتيوب وعلى صفحتها بالفيس بوك كان بمثابة عود الثقاب الذي أشعل فتيل الحماسة عند كثير من الشباب للانضمام لمظاهرات 25 يناير. والشابة العشرينية إحدى المؤسسات لحركة 6 أبريل، وهي مجموعة أنشئت عام 2008 على الفيس بوك لدعم عمال المحلة الكبرى الذين كانوا يريدون التظاهر للمطالبة بحقوقهم المهضومة في ذات التاريخ الذي اتخذته الحركة اسما لها. تعرضت أسماء للكثير من المضايقات بعد نشاطها الافتراضي على المواقع الاجتماعية، ولكنها ظلت ثابتة راجحة على موقفها لا يثنيها عن عزمها تهديد أو وعيد.

اسم ثالث برز في القنوات الأمريكية على وجه الخصوص، وهو اسم "منى الطحاوي"، وهي كاتبة صحفية مصرية لها قدرة بارعة على المحاججة والمقارعة، دعمت الثورة الشبابية بقوة وانتقدت بجرأة السياسية الأمريكية والمصرية، وعندما حاول مذيع قناة فوكس "بيل ماهر" تحويل قضية الثورة إلى النسوية والتخويف من "بعبع" الإسلاميين، ردته منى بذكاء ومهارة إلى محور القضية وهو الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة.

اللافت أنه لم تسجل حالة تحرش واحدة في المظاهرات رغم أن المجتمع المصري ظل طويلا يشكو من ظاهرة التحرش الجنسي، ولا عجب.. هذه هي روح مصر التي تنبعث من جديد!