وبينما طلاب الثانوية العامة هنا ينهون إجازتهم ويستعدون للفصل الثاني، يخوض إخوة وأخوات لهم في بريطانيا حرب -اختبارات - من نوع خاص! حرب الحفظ والاستظهار للمنهج السعودي بكافة مواده وكامل مناهجه – وكأنهم آلات صماء - من جهة؛ وجهادا آخر مع مدارسهم البريطانية ودوامهم فيها خلال الأسبوع، وما يتعين عليهم من واجبات ومسؤوليات تكاد تستنفد كامل وقتهم! وإذا لم يجهز عناء الدراسة بلغة غير اللغة الأم على وقت الطالب بأكمله، فإن الملحقية الثقافية في جعبتها المزيد لاستنزاف الطلاب ومفاجأتهم. لترمي بهم مرة ذات اليمين وأخرى ذات اليسار، في ارتباك واضح وقرارات ارتجالية ينتج عنها إرباكهم! فتارة توجههم بأن الشهادة البريطانية هي المهمة والقادرة على فتح أبواب الجامعات لهم، وفي توجيه مغاير ومناقض للأول تصبح شهادة الثانوية العامة السعودية هي المنقذة والقادرة على إيداعهم قاعات الجامعات في بريطانيا! و"ما بين حانا ومانا" يضيع الطلاب ويحتار الأهل؛ وعوضا عن التركيز على التحصيل العلمي والإنجاز الدراسي، يصبح هم المبتعثين مختزلا في مستقبل أبنائهم وبناتهم الدراسي، وكيفية التعاطي والتعامل مع ما تتفتق عنه قرارات الملحقية من مفاجآت! لينتهي بهم الأمر -حاليا - إلى دراسة المناهج السعودية بكاملها انتسابا ودراسة الأخرى البريطانية انتظاما؛ وذلك بقرار تعسفي–سريع ومفاجئ- ينتهج التعجيز بدارسة 16 مادة، وتحميل الأهالي أعباء مادية ونفسية تشتت انتباههم عن دراستهم؛ وهي الهدف الأول الذي تغربوا لأجله وتركوا الأهل والديار! وبدلا من التماهي والتناغم مع المناهج البريطانية في استخدامها لآليتي التفكير والتكوين، تعيد الملحقية بأبناء المبتعثين ارتجاعيا إلى آليتي الحفظ والتلقين والتعليم التجهيلي المعهود! فالتكرار وابتلاع المعلومات لإعادة كرها على ورق الامتحانات لا يعلم الشطار -كما يقول المثل الشعبي-؛ ولكنه يعيد إنتاج مآسينا ومخرجاتنا التعليمية في صورة آلات بشرية تحفظ ولا تعي وتستظهر ولا تفكر؛ فاقدة للقدرة على الخلق والإبداع!

يقول المبتعثون إن المشكلة تكمن في أنه لا خيار حقيقيا للطلبة هنا، فالاكتفاء بالشهادات البريطانية أمر يهدد مستقبلهم بشكل فعلي؛ فهم يحتاجون الشهادات السعودية لدخول الجامعات سواء في بريطانيا أو السعودية، ومضطرون لإلحاق أبنائهم بالمدارس البريطانية حتى لا يخالفوا القانون البريطاني من جهة، وللحصول على تعليم نوعي متميز من جهة أخرى! وفيما يتوقع أن يتخرج الطالب السعودي في مرحلة -تعادل الثانوية العامة - بتقدير جيد من المدارس في المملكة المتحدة، لا يساعده هذا التقدير في الالتحاق بالجامعات السعودية التي تطلب تقديرات عالية ونسبا فلكية! والحل كما يقترحه بعض الأهالي هو تكثيف المناهج السعودية في ملخصات صغيرة ومركزة تغطي وتستوعب أهم ما في المناهج، فليس من العدل أن يعامل الطالب في بريطانيا -والدارس انتسابا - معاملة الطالب المنتظم في المدارس بالمملكة.

يفترض أن تقوم الملحقيات الثقافية السعودية في بلاد الله الواسعة على راحة المبتعثين والمبتعثات، وتذليل العقبات لهم وتطويع المصاعب والإشكالات؛ ليتنسى لهم التركيز على تحصيلهم العلمي وأداء المهمة التي ابتعثوا لأجلها على أكمل وجه، لا أن تكون مع –الغربة- عليهم وعلى أبنائهم كما يشتكي كثير من المبتعثين من الملحقية الثقافية ببريطانيا!