في خبر نشر في جريدة الشرق الأوسط (الملحق الاقتصادي) بتاريخ يوم الأربعاء 29 صفر 1432 ذكر أحد الخبراء الاقتصاديين أن خسائر مدينة جدة في كارثتها الأخيرة بلغت حوالي 4.5 مليارات دولار أي حوالي 17 مليار ريال سعودي ولو أضفنا هذه الخسائر إلى خسائر الكارثة التي حدثت العام الماضي لكان مجموع خسائر مدينة جدة من هاتين الكارثتين حوالي 34 مليار ريال، فلو أُضيف هذا المبلغ على ما أنفقته الدولة على مشاريع مياه الصرف الصحي وتصريف مياه السيول في العقد الأخير لتجاوز حجم هذا المبلغ ما مقداره 50 مليار ريال، وأنا لست مبالغا في ذلك، فالدولة في العامين الماضيين أنفقت فقط ما يزيد على مليار وثلاثمئة مليون في مشاريع مكافحة وانتشار وباء حمى الضنك! الذي يعتبر في حد ذاته أحد إفرازات أو انعكاسات انتشار مستنقعات مياه الصرف الصحي ومستنقعات مياه الأمطار، ناهيك عن المليارات التي أنفقت وتنفق على إنشاء وصيانة محطات معالجة مياه الصرف الصحي ومشاريع تخفيض المياه الجوفية، ولا تنسوا مئات الملاين التي أنفقت على مشاريع بحيرة المسك وسدودها الاحترازية، ولكن ماذا أقول سوى حسبي الله!!.
من خلال متابعاتي لكارثة جدة الأخيرة في وسائل الإعلام المختلفة، طُرحت على صفحاتها العديد من الأفكار والحلول تدور حول كيفية درء مخاطر الفيضانات المحتملة خلال السنوات المقبلة على مدينة جدة. ومن الحلول الجيدة التي طُرحت في هذا الشأن، ما نادى به بعض المهندسين من حفر أنفاق تمتد من أقصى شرق جدة وحتى البحر، إنشاء مثل هذه الأنفاق سيكون حلا مرهقا ومكلفا ماديا، هذا إن لم يكن من الصعب تنفيذ مثل هذا المشروع.
الحل الآخر الذي كان مطروحا على مائدة النقاش هو إنشاء السدود على الأودية الفرعية المنتشرة على المنحدرات الجبلية التي تحد مدينة جدة من جهة الشرق، وهذا في رأيي الخاص يعني أن مثل هذه المشاريع لا تمثل حلا لهذه المعضلة، بل ستزيد من تعقيداتها وستكون أيضا بمثابة خطر جديد يهدد مدينة جدة, وقد علمت من أحد المهندسين المسؤولين في أمانة مدينة جدة، أن المتبنين لفكرة إنشاء هذه السدود حددوا نسبة 70% كحد أعلى لضمان سلامة مدينة جدة من الفيضانات، وهذا في رأيي لا يضع حلا جذريا لهذه المعضلة!!، بل على العكس من ذلك قد يدخل سكان مدينة جدة في معادلات صعبة عند أي هطول!!.
يتفق معي جميع المهندسين أن الشرط الأساسي عند اختيار مواقع بناء السدود، هو أن تكون هذه المواقع منبسطة وتمتد لعشرات الكيلومترات خلف السد المزمع إنشاؤه حتى لا تمثل المياه المتراكمة خلفه قوة ضاغطة عليه تعجل بانهياره، فبقاء السدود على المنحدرات الجبلية لا يفي مطلقا بهذا الشرط، أضف إلى ذلك أن شدة انحدار المرتفعات الجبلية يعني بالضرورة بناء سدود ذات ارتفاعات قياسية، أيضا مثل هذه السدود ستتعارض مع أهم القوانين الطبيعية وهما قوة الجاذبية الأرضية Gravitation وقوة تسارع Acceleration المياه المندفعة من أعلى المنحدرات، فكيف ستصمد مثل هذه السدود أمام هاتين القوتين الجبارتين.
الحل كما أراه والذي أرجو من الله أن يضع حدا لتهديد السيول المتدفقة من الجبال الواقعة إلى الشرق من مدينة جدة، يتلخص في حفر وإنشاء مجريين أسفل المرتفعات الواقعة إلى الشرق من مدينة جدة وبالتحديد غرب طريق الحرمين، يمتد المجرى الأول إلى شمال صوب وادي الكراع الذي ينتهي بشرم أبحر، يصب في هذا المجرى كل من وادي بريمان ووادي أم حبلين وبعض الأودية الفرعية ويبلغ طول هذا المجرى حوالي 10 كيلو مترات، وعرضه 30 مترت وعمقه من 2 إلى 3 أمتار، هذا المجرى سيكون بمثابة حماية شمال جدة من فيضانات السيول المنحدرة من المنحدرات الشرقية.
أما المجرى الثاني فيتجه صوب الجنوب ويصب في هذا المجرى كل من وادي بني مالك ووادي مريخ ووادي قويزة ووادي عشائر وبعض الأودية الفرعية، وينتهي هذا المجرى في وادي غليل الذي يبلغ عرضه حوالي 100 متر ومنه إلى وادي الخمرة ثم إلى البحر، طول هذا المجرى حوالي 10 كيلو مترات وعرض هذا المجرى يجب أن لا يقل عن 40 مترا وبعمق يتراوح ما بين 3 إلى 4 أمتار (حُسبت أطوال هذين المجريين من واقع مقياس الرسم للخرائط الجيولوجية الصادرة عن هيئة المساحة الجيولوجية). وفي رأيي أن هذين المجريين قادران ليس فقط على امتصاص واستيعاب جميع السيول المنحدرة من المرتفعات الشرقية، بل قادران على استيعاب أي كم من مياه الأمطار تهطل على مدينة جدة. أما بخصوص المخططات السكنية المتضررة مثل مخطط أم الخير, ومخطط التوفيق...إلخ، فأنا أرى أنه ليس هناك حاجة إلى إزالة هذه المخططات المتضررة وما بها من منازل، ولكن ما يزال فقط هو المنازل الواقعة في بطون هذه الأودية، ولحماية بقية المنازل الواقعة على ضفاف هذه الأودية، توسع مجاري هذه الأودية بمسافة تتراوح ما بين 15 إلى 20 مترا، وزيادة عمقها بقدر المستطاع وحماية ضفافها بالصخور البركانية أو الخراسانة المسلحة. وفقنا الله وإياكم لخدمة هذا الوطن الغالي.