في تقديمه المجموعةَ الشعرية "إجازة جيري" لمحمد اللوزي يكتب الدكتور عبدالعزيز المقالح عمّا يتطلبه العمل الإبداعي من صبرٍ ومران وثقافة ممزوجة بالدقة الشعرية لإنتاج "شعر حاد ولاذع وبسيط" على شاكلة الصنيع الذي يجده القارئ في نصوص اللوزي.

ولنا أن نختبر تلك "اللذعة" التي أجرتْها توابل اللوزي على حواس القارئ، ونحاول معرفة مصادر تأثيرها. فأوّل ما يلفت في هذه التجربة الجانب البصري، حيث يتم اقتناص المشهد وتوقيف سيولته، وتحويله إلى تفصيل.. في لقطة مقرّبة مشبعة بالوصف، وكأنها ترسم حدود "الكادر" عبر استخدام كلمة تكرارية هي النواة أيضا؛ ينهض بها وعليها النص. ومع هذا الإيقاع التكراري تحدث تبدلات وتحولات، يُستعاد معه زمن السيولة الخارجي لكن في خلاصة شعريّة وإن تكن مشهديّة. ففي نص "السيدة البدينة" الذي يتألف من ستة عشر سطرا، تتكرر فيه كلمة السيدة تسع مرات، وفي كل مرّة تأتي مصحوبة بالوصف الاسمي (الممتلئة؛ المحشوة؛ البدينة) أو الفعلي (تمشي؛ تلتفت؛ تحترق) بإضافة البطء إلى كل فعل. ثم يعيد التركيز على البدانة والامتلاء والحشو بطريقةٍ توحي إلى وصول هذه الأوصاف إلى حدٍّ يُتوقّع معه حدوث شيءٍ ما، وهو ما تفصح عنه الأسطر الأربعة الأخيرة:

(ستفرقع ذات يوم

مثل بالونة

دون أن يلامسها دبوس

وستتطاير في الهواء

مزقا صغيرة

دون أن يلاحظها أحد).

وهنا نتنبّه إلى التفريغ، فمن ازدحام الصفات التي تسدّ المشهد إلى انحسار كامل يغيب معه الجسد والصفة.

إلى جوار البصريّة، ثمّة مزاج مهيمن على مجمل نصوص الكتاب، يقوم على السخرية والمفارقة في عمل متآزر مولّد للشعريّة على نحوٍ متكاثر في النصوص، حتى بات هذا المزاج السمة المائزة لكتابة اللوزي؛ ينطلق من لفظة عاديّة ثمّ يعالقها بشبيه لها مع التحويل الذي يصنع المفارقة مشكولة بابتسامة بيضاء:

(في الشارع

الذي تعطّلت فيه

شاحنة

رجلٌ يخضّ

زجاجة الكوكاكولا

قبل أن يشربها

وامرأةٌ

تخضّ الشارع جيّدا

وهي تعبره).