(مشي حالك) كلمة تستطيع بها أن تضغط على نفسك في محاولة يائسة لتقبل حال مُحبِط لا يتوافق مع توقعاتك، كأن تزلزل قيادتك لسيارتك عشرات الحفر بشارع يفترض أنه مسفلت فتهمس لنفسك (مشي حالك)، أو أن يدخل العام الدراسي أسبوعه الثالث وما زال الطلاب في انتظار الكتب والمعلمين لينتهوا من دورة التدريب على المناهج الجديدة.. هنا أيضاً يمكنك أن تربت على كتفك وتهمس بـ"مشي حالك"، بل تمشي حالك بقوة حينما يصرّح وزير الخدمة المدنية قائلاً: إننا لسنا مطالبين بتوظيف كافة خريجي الجامعات وهل نحن نعلّم للتعليم أم للتوظيف!
لعلنا "نمشي حالنا" كثيراً ولا مانع من تمشية الحال لكونها تربي المواطنين وتجعلهم صابرين محتملين حالمين قابلين للطرق والسحب والصهر ليصب ذلك في مصلحة الوطن والمواطن على حد سواء، لكن عندما تشكّل تمشية الحال خطورة على صحة الإنسان وسلامته، عندها فقط تتحول من مسألة تمشية حال إلى قضية حياة أو موت لا يمكن الاستهانة بها.
أن تقتصر مستشفياتنا الحكومية على علاج البعض "مشي حالك"، إنما أن تمنع إسعاف حالة طارئة لأنها لا تملك ملفا أو أمرا أو تحويلا فهذه قضية حياة أو موت.
أن توقع تعهدات وتدفع كامل المبلغ قبل الدخول على الطبيب "مشي حالك"، إنما أن يؤجل استدعاء الطبيب وإنقاذ روح بوضع حرج حتى يتم الدفع أولاً فهذه قضية حياة أو موت.
أن تطلب الأم من الممرضات رؤية مولودها ويتم تأخير إحضاره في كل مرة "مشي حالك"، إنما يتم استبدال المولود أو اختفاؤه فهذه حتما قضية حياة أو موت.
أن يكون هناك خطأ في تنظيم المواعيد "مشي حالك"، إنما يكون الخطأ في التشخيص والدواء أو موقع المشرط فهذه قضية حياة أو موت.
أن يكون عدد الأطباء قليلا لا يستوعب عدد المرضى "مشي حالك"، إنما يتم التعاقد مع أطباء وممرضين لا نعلم مصداقية شهاداتهم أو إعطاء الرخص الطبية لأطباء وطاقم تمريض دون أن يكونوا مؤهلين لذلك، فقط من أجل استيعاب عدد المرضى فهذه قضية حياة أو موت.
أن تحتكر بعض شركات الأدوية منتجات علاجية من أجل الربح "مشي حالك"، إنما أن تصرف أدوية وتحقن إبرا منتهية الصلاحية أو فاسدة لسوء التخزين فهذه قضية حياة أو موت.
غيض من فيض ومازالت وزارة الصحة تجهل الفرق بين "مشي حالك" وقضية حياة أو موت وتتجاهل الإهمال والتمادي الذي أصاب كلا منهما، وها هي تلك الأخطاء تكبر وتتكرر وباتت تُمارس بشكل روتيني وأصبح لها معدل يومي فتُضرب برقم قياسي جديد باليوم الذي يليه، وفوق كل هذا يظن مسؤول ما أن تلك الأخطاء الفادحة من الممكن إصلاحها ومداراتها بـ(اعتذار مكتوب) فلا تملك إلا أن تمشي حالك، إنما يسقط سقف العناية على مريض فتهدد ابنته بالشكوى فيرد المسؤول بـ(أعطوها ورقة وقلم) فهنا تحتاج الوزارة إلى إعادة النظر في آلية تعيين ذلك المسؤول وعقوبات تُطبق عليه ليتأكد الناس أنها مجرد وجهة نظر شخصية لا أسلوب مستهتر.
متى تؤخذ أرواح الناس بالمقام الأول وبناء على ذلك تسير الأنظمة لا أن يتم التعامل مع الحالات وفق سياسة المستشفى أو القوانين واللوائح. أرجو كما يرجو الكثير أن تستعيد وزارة الصحة في بلادي صحتها عاجلاً غير آجل، وأن لا تجد ألمانيا في السنوات القادمة ما تحرجنا به حينما تعلن أن نصف الحالات السعودية التي تتلقى العلاج لديهم هي حالات نتيجة أخطاء طبية!.