شهد اللقاء الوطني حول قضايا الخطاب الثقافي السعودي، الذي نظمه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني تحت عنوان "الهوية والعولمة في الخطاب الثقافي" مطالبات متعددة بحذف الخصوصية من الخطاب الثقافي مع التأكيد على خطورة التشدق بهذا المصطلح دون إنتاج معرفي. وشدد رئيس اللقاء الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين على أن العقلانية والموضوعية من الشروط الأساسية والقوانين الثابتة لنجاح الحوار.
وفيما عبر الأديب الدكتور حسن الهويمل عن خشيته من أن تكون ضبابية المصطلح أو التعريف هي المشكلة، داعياً إلى تقريب وجهات النظر بين المختلفين، أوضح الدكتور فهد السماري أن الخصوصية ينبغي أن تبدو في الإنتاج المعرفي لا في التشدق بها، وقال: إننا بلا أي منتج معرفي لنا بين الأمم.
بدورها تعجبت الكاتبة زينب غاصب من "ادعائنا خصوصية لم تورث شرعاً ولم تعط للمجتمع السعودي نصاً" - على حد تعبيرها، مطالبة بحذف كلمة (خصوصية) من خطابنا الثقافي والتخلص منها "لنشعر بأننا جزء متحضر من العالم أكرمنا الله بالإنسانية، وهذه هي الخصوصية الحقيقية للإنسان" - على حد قولها.
وهنا تساءلت الدكتورة فوزية البكر قائلة: لم كل هذا التوجس والقلق من هذه المفردة؟ ولماذا نتعاطاها بهذا الحذر المبالغ فيه حتى باتت أمراً مريباً؟، مطالبة بتحديد هذه الخصوصية التي لم يعرف ما المقصود بها حتى الآن.
شدد رئيس اللقاء الوطني للحوار الفكري الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين على أهمية العقلانية والموضوعية عند طرح القضايا الوطنية المهمة على طاولة الحوار، وعرضها للمناقشة والتحليل، وأن يكون هدف المتحاورين الوصول إلى الحقيقة.
وقال الشيخ الحصين في كلمته التي ألقاها صباح أول من أمس في قاعة نيارة بالرياض لدى افتتاح اللقاء الوطني حول قضايا الخطاب الثقافي السعودي، الذي نظمه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني تحت عنوان "الهوية والعولمة في الخطاب الثقافي": إن العقلانية والموضوعية من الشروط الأساسية والقوانين الثابتة لنجاح الحوار، مبينا أن مركز الملك عبدالعزيز يتوقع من المشاركين في فعاليات اللقاء الوطني للحوار الفكري، الخاص بقضايا الخطاب السعودي، أن يكونوا ملتزمين بهذه الأسس، وأن يكون هدفهم الوصول إلى الحقيقة.
من جانبه استعرض أمين عام مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني فيصل بن عبدالرحمن بن معمر المحاور الرئيسية التي ناقشها اللقاء، كما شكر مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على الدعم الذي يوليه للمركز.
الجلسة الأولى
تناولت الجلسة الأولى محور "خصوصية المجتمع السعودي"، وأدارها نائب رئيس اللجنة الرئاسية بالمركز الدكتور راشد الراجح، وكان من المتحدثين الدكتور حسن الهويمل الذي خشي أن تكون ضبابية المصطلح أو التعريف هي المشكلة، داعيا إلى تقريب وجهات النظر بين المختلفين. وأوضح الدكتور فهد السماري أن الخصوصية ينبغي أن تبدو في الإنتاج المعرفي لا في التشدق بها، وقال: إننا بلا أي منتج معرفي لنا بين الأمم، فيما تعجبت الكاتبة زينب غاصب من "ادعائنا خصوصية لم تورث شرعا ولم تعط للمجتمع السعودي نصا" ـ على حد تعبيرها ـ وأضافت: وبصرف النظر عن كون الله أكرمنا بخدمة الحرمين الشريفين، فهذه ليست خصوصية بقدر ما هي مسؤولية أمام الله وخلقه، الخصوصية جاءت من خلال العادات والتقاليد لتكون شماعة تعلق عليها كل التعقيدات والتقييدات في الكثير من الوظائف والأفراد والجماعات كما أنها تحد من وظيفة المرأة في المجتمع وتجعلها تابعا مهمشا وتسلبها حقوقها الشرعية. وطالبت غاصب بحذف كلمة (خصوصية) من خطابنا الثقافي، والتخلص منها "لنشعر بأننا جزء متحضر من العالم أكرمنا الله بالإنسانية، وهذه هي الخصوصية الحقيقية للإنسان" على حد قولها.
واستهجن سلطان البازعي بعض الشيء في مداخلته حين قال: نحن الشعب الوحيد في الدنيا الذي يقضي كل هذا الوقت في البحث عن تعريف لهذا المصطلح، رابطا هذه الخصوصية بالإنتاج المعرفي، بينما تساءلت الدكتورة فوزية البكر: لم كل هذا التوجس والقلق من هذه المفردة؟ ولماذا نتعاطاها بهذا الحذر المبالغ فيه حتى باتت أمرا مريبا؟ مطالبة بتحديد هذه الخصوصية التي لم يعرف ما المقصود بها حتى الآن، في حين أشارت منيرة القاسم إلى أهمية إدراك أن خصوصيتنا دينية بحتة، وهي مصدر اعتزاز لنا، بل ويجب أن نبلورها وننقلها للأجيال بعيدا عن الشبهات بحسبها التي يلقي بها بعض الكتاب.
الدكتور محمد المشوح طرح سؤالا: هل نعني بالخصوصية العادات أم التقاليد ومفهومها المتوارث؟ مرجعا السبب في هذا اللبس إلى الإفراط في استخدام المصطلح عند التحدث عن الخصوصية، فيما ذكرت نورة القحطاني أن المجتمع يريد خصوصية ترتبط بالأصول وتقترب من العولمة، وألاّ يكون موضوع خصوصية المجتمع مدعاة إلى الإنغلاق، كما دعت في الوقت ذاته إلى عدم قبول الانفتاح المطلق، والانجراف خلف العولمة من دون ضوابط، ووصف الدكتور زكي الميلاد السجال حول الخصوصية بالطرح الإنشائي المكرور، مطالبا بالمواجهة الجادة والغوص في القضايا الثقافية والاجتماعية الأكثر إشكالا. من جانب آخر أعلنت الكاتبة شروق الفواز عدم فهمها لهذا المصطلح، بعد أن سمعت ما دار من سجال بين المتحدثين بعد أن كانت قبل الجلسة تحسب أنها تعرف هذا المصطلح على حد قولها.
وأشارت الدكتورة مريم التميمي إلى الخصوصية بمفهومها الشامل، مؤكدة أن كل إنسان يجب أن يسعى إلى أن تكون له خصوصيته الإيجابية التي تميزه عن غيره، وأن الخصوصية ميزة يجب أن نحافظ عليها ونتشرف بحملها، مشيرة إلى خصوصية الأماكن المقدسة، فيما أكد الدكتور مالك الأحمد أن المجتمع السعودي لديه أشياء عديدة مشتركة مع الغير، فهو جزء من العالم ويتأثر بما يتأثر به العالم، وكذلك لديه خصوصية إيجابية يجب أن يحافظ عليها، فهو يتميز بهويته الدينية.
من جانبه أوضح فيصل العوامي أن الحفاظ على الهوية يشكل هما لكل أمة ومجتمع، ولذلك حذر علماء الحضارة من العبث بالرموز والعلامات الوطنية، غير أن هناك إفراطا لدى البعض عند الحديث عن الهوية قد يصل إلى الانغلاق.
وفاء العمر رأت أن هناك محاولة لاستغلال خصوصية المجتمع السعودي الدينية، لهضم بعض حقوق المرأة دون سند أو دليل شرعي، وهو ما يجب أن يرفض وأن لا يلصق بخصوصية المجتمع السعودي، بينما أكد هزاع العبدلي على ضرورة فهم الخصوصية، ومدى علاقتها بالانتماء، قائلا: إن المجتمعات الإنسانية تحافظ على انتمائها للمحافظة على تميزها.
الجلسة الثانية
تناولت الجلسة الثانية محور (المواطنة في الخطاب الثقافي السعودي)، وحللت مفهومها وتمثلها في المجتمع، وما يثار حولها من توجس، وكان الدكتور عبدالعزيز السبيل أول المتحدثين، وطالب في كلمته بالنظر إلى موضوع الانتماء بكثير من الشفافية وقليل من الحساسية، وقال: إن المشكلة لدينا تكمن في تضخيم المفهوم من حيث إن كثيراً من الإجراءات الرسمية تؤثر في دعم هذه الانتماءات التي ربما في مرحلة تاريخية معينة كانت ضرورة.
الدكتور حسن الهويمل قال: إن حب الوطن مسألة جُبل الإنسان عليها، وذكر أن الوطن يعاني من صراع النخب والتهميش ومصادرة الحق وعدم الجرأة وعدم حرية التعبير والتعددية الغائبة، فيما ألمحت الدكتورة فوزية أبوخالد إلى العلاقة الجذرية بين المواطنة والسلطة والمجتمع وأبعاد تلك العلاقة والمواطنة وضرورة تناول المواطنة بصفتها مفهوما معرفيا يشمل السياسة والفكر والسلوك.