خالد محمد ياقوت مواطن سعودي يسكن حي الصحيفة أحد الأحياء الأربعة التي زارتها "الوطن" أول من أمس، وشملت منطقة البلد والعمارية والهنداوية ويمثل بمعاناته العديد من سكان هذه الأحياء مع المنازل الآيلة للسقوط والتي شهدت مؤخرا سقوط 3 منازل بجدة أسفرت عن وفاة 7 أشخاص.

وأبدى الياقوت أن عدم مغادرته منزله الذي يؤويه وأسرته والبالغ عددهم 5 أشخاص والذي تم تأشيره من قبل الأمانة لإزالته خلال 15 يوما أمر لن يتسنى له تنفيذه، معللا ذلك بعدم حصوله على سكن بديل بحجة أن راتبه يبلغ 3 آلاف ريال وهذا ما يرفضه ملاك مكاتب العقار على حد قول الياقوت في الحصول على شقة مكونة من غرفتين وصالة ومطبخ ودورة مياه بقيمة 20 ألف، مشيرا إلى أن مسألة سعر الإيجار لا تشكل له عائقا غير أن مكاتب العقار تطالب بشهادة تعريف تفيد بأن الراتب يبلغ 6 آلاف ريال لتتمكن من الحصول على شقة بمنزل مسلح وآمن.

وأضاف الياقوت أن أغلب من يسكن هذه المنازل الآيلة للسقوط بحي الصحيفة عدد من الوافدين إضافة إلى مواطنين تقل مرتباتهم الشهرية عن 3 آلاف ريال.



نزع الملصقات

"الوطن" قامت بجولة في أربع أحياء بجدة تحفل بالعديد من المنازل الآيلة للسقوط وبرفقة عبدالحفيظ الصحفي أحد مراقبي المباني بفرع بلدية البلد التابعة لأمانة جدة حيث تم المرور على ثمان مبان آيلة للسقوط ومؤشرة من قبل الأمانة بملصقات تحذيرية تفيد بسرعة الإخلاء خلال 15 يوما من تاريخ تثبيت الملصق، إلا أن هذه المنازل والتي تمثل عينات لمئات مشابهة لها تعج بالسكان رغم التحذير.

عبدالحفيظ الصحفي فند لـ"الوطن" معاناة مراقبي الأمانة مع سكان هذه المنازل والمتمثلة في عدد من السلوكيات تتمثل في نزع الملصقات فور تثبيتها وعدم الامتثال للتحذير بمراجعة فرع البلدية إضافة إلى عدم الاكتراث بفصل التيار الكهربائي حيث يتم إيصال التيار من أقرب موقع للمنزل ومنها أيضا صعوبة التوصل للمالك الأصلي للمبنى.

وأضاف أن زيادة الأحمال على المنازل الشعبية المتمثلة في بناء ملاحق يزيد من خطر انهيارها، إضافة إلى أن هذه المناطق تعاني من نقص شديد في المياه وهو ما يعوضه سكانها بزيادة عدد خزانات المياه بأسطح وداخل هذه المنازل مما يحملها فوق طاقتها كونها منازل شعبية، مشيرا إلى أن منطقة البلد والصحيفة هما أخطر منطقتين تعج بهما مثل هذه المنازل.



الأماكن البديلة


"الوطن" التقت عددا من سكان هذه المنازل المؤشرة فعلا والتي أعاد مراقب المباني تأشيرها أمام أعيننا، حيث لم يكترث المسن أحمد عبدالله قدح من سكان حي الصحيفة "مقيم" لموظف الأمانة وهو يقوم بإلصاق التحذير على جدار مقر عمله في صناعة المقاعد الشعبية. وبسؤالنا له عن سرعة تجاوبه ومتى ستتم مغادرته للموقع، أجاب مبتسما بقوله "الله الحافظ فليس لدي غير هذا المحل بإيجار شهري مقداره 300 ريال، وإن كان خطيرا على حد زعمكم، فأنا أقضي أغلب وقتي أمام المحل ومتى ما توفر لي محل آمن فلن أتردد في الانتقال إليه".

وفي منطقة البلد لم تكن المسنة صفية عابدين ببعيدة عن المسن أحمد، حيث تعمل على بيع المقليات أسفل منزل مكون من أربع طوابق مؤشر عليه بسرعة الإخلاء ويقطنه قرابة 24 مقيما من الجنسية الهندية، وتبدي عدم خوفها من انهيار المنزل عليها، حيث أفادت بأنها تعمل بهذا الموقع منذ حرب الخليج الأخيرة وأنها ما زالت تتمتع بصحة جيدة تساعدها على الفرار في حال سمعت طقطقة عظام هذا المنزل الشعبي على حد قولها بشيء من الدعابة للفرار بعيدا عنه.

فيما أبدى المقيم صديق الحق من الجنسية الهندية يسكن بالمنزل نفسه ويعمل بمحل بيع مواد غذائية بأسفله خوفه من انهيار المبنى والواقع على شارع تجاري رئيسي معللا ذلك بعدم وجود سكن آمن يماثل سعر إيجاره سعر إيجار هذا المنزل والبالغ قدره 500 ريال شهريا، مشيرا إلى أن مالك المنزل هو رب عمله وهو من وفر له هذا السكن الذي لا يعلم عن ضعف أساساته.

وفي حي العمارية والهنداوية التقينا مجموعة من الشباب السعوديين ومنهم معتوق هاشم وماجد عبده علي وأحمد سليمان بعضهم يسكن مثل هذه المنازل وبعضهم مجاور لها في مبان مسلحة أبدوا جميعا خوفهم من مثل هذه المنازل وعزوا عدم خروج سكانها منها والتي تشكل العمالة الوافدة السواد الأعظم في سكناها، لرخص قيمة الإيجار والتي لا تتجاوز 500 ريال في الشهر أو أقل في بعض الأحيان، مبينين أن من يسكن هذه المنازل من المواطنين هم ممن لا تسمح أوضاعهم المادية إلا للسكن في مثلها، وأجمعوا على أنه لا توجد هنالك جدية في متابعة مثل هذه المنازل بشكل صحيح يتمثل بحسب قولهم في إحضار المالك الحقيقي لها ومطالبته هو مباشرة بإخلاء المبنى وإيقاع أقصى العقوبات عليه إن لم يمتثل لذلك حيث إن آخر ما يهم المالك هو تحصيل مبالغ الإيجارات آخر الشهر.

من جهته وصف مدير إدارة الدفاع المدني بجدة العميد عبدالله جداوي الوضع بغير المحتمل وأن تكرر حوادث الانهيارات أمر خطير بات يهدد حياة الناس.

وفند جداوي أسباب تفاقم الكارثة إلى جانبين الأول منهما قدم المباني وعدم معرفة من يسكنها لتواريخ بنائها وما هي أساساتها في الأصل.

وثانيهما يتمثل في أنها تسكن من قبل أعداد أكبر من طاقتها الاستيعابية إضافة إلى الأحمال التي يتسبب بها ملاكها أو سكانها مثل بناء ملاحق إضافية أو زيادة أعداد خزانات المياه العلوية، وكلها تشكل عبئا على المبنى وهذا ما عده جداوي جانبا فنيا.

وفي الجانب العملي الميداني أوضح جداوي أن هنالك لجنة برئاسة أمانة جدة وعضوية الدفاع المدني وشركة الكهرباء للنظر في حال هذه المباني وأن هنالك 7 مندوبين تم توزيعهم حسب التوزيع الجغرافي للمراكز التابعة للدفاع المدني يعملون على مسح المناطق التي تحوي المباني المهددة بالانهيار وتسليمها لأمانة جدة والتي تستعين بمكتب استشاري يتولى متابعتها ويقرر حاجة كل منها للترميم أو الإزالة وبهذا تكون مسؤولية هذه المنازل قد انتقلت كاملة لأمانة جدة.

وأشار جداوي إلى تأكيدهم على أمانة جدة بخطورة الوضع وأنه لا يتوقف عند ملصق تحذيري فقط بل لا بد من اتخاذ إجراء فاعل وحازم وسريع وأن إدارته تتابع مع الأمانة استعجال أمر عمل اللجان حيث إن المكتب الاستشاري الذي تتعاون معه الأمانة متوقف عن العمل ومنته عقده وأن عمل اللجان ليس له جدوى خلال 6 أشهر دون وجود لمكتب ينفذ قراراتها، لافتا إلى أن الحل يكمن في سرعة التعاقد من قبل الأمانة مع مكتب استشاري.

مقترحا أن يتم التعاقد مع أكثر من مكتب وليس مكتبا واحدا وذلك لتسريع وتيرة عمل اللجان نظرا لكثرة مثل هذه المباني بمحافظة جدة.


شهادة سلامة

من جانبه أوضح مدير إدارة الطوارئ ورئيس لجنة المباني الآيلة للسقوط بأمانة جدة المهندس خالد زيني أن هنالك تباعدا وعدم ارتباط بين الجهات الحكومية المعنية بمتابعة مثل هذه المباني ممثلة في الأمانة والدفاع المدني وشركة الكهرباء، مبيناً أن من مهام الدفاع المدني إخلاء مثل هذه المواقع حفاظا على الأرواح والممتلكات وأنه ليس لدى الأمانة السلطة التي تتوافر لرجال الدفاع المدني والشرطة في تنفيذ قرارات الإخلاء وأن تدخلهم بحكم السلطة يمكن أن يغير في الوضع كثيرا. وأشار زيني إلى أن حل وضع هذه المباني مرهون بإصدار أوامر حاسمة من قبل محافظة جدة أو مقام إمارة المنطقة بإخلاء المواقع وعدم إعادة التيار الكهربائي لها بأي شكل من الأشكال، مستشهدا بأن المنزل المنهار يوم الجمعة الماضية يوجد حوله قرابة 6 منازل تم فصل التيار عنها، غير أن بعضها تمت إعادة التيار إليها دون الرجوع للأمانة، علما بأنها مبان خطرة على حد قوله، مبديا رغبته في عدم تفضيل مالك عن مالك في مسألة إعادة التيار الكهربائي والتي تخضع للمحسوبيات دون الاعتماد على النظام في العودة للأمانة في عملية إعادة التيار.

وطالب زيني بإصدار شهادة سلامة مبنى لكل مبنى مقام بتصريح بناء وخرائط هندسية وضرورة التنبيه على المكاتب الهندسية بعدم عمل تقرير عن أي مبنى شعبي، مؤكدا ورود تقارير لإدارته تفيد بأن العديد من المباني الشعبية صالحة للسكن وذلك بمجرد تقاضي مبالغ مالية لإصدار تصاريح تفيد بصلاحية مثل هذه المباني الشعبية وهي مقامة بغير أسس هندسية.

كما طالب بإيقاع أقصى العقوبات على مثل هذه المكاتب الهندسية من قبل إدارة المكاتب الهندسية بالأمانة أو إدارة رخص البناء وذلك بحرمانهم من التأهيل المستحق لهم مع الأمانة.