تمرّ بعض الدول العربية اليوم بمرحلة عصيبة لا تحسد عليها. فشل (خبراء) سياساتها في توفير الحلول الحاسمة لتحديات مجتمعاتها المزمنة بدأت تجرفها بسرعة نحو الهاوية. إخفاق (علماء) اقتصادياتها في اجتثاث البطالة والفقر والمرض والجوع والعطش بين أبنائها أفقدها السيادة على كياناتها.

في قريتنا الكونية 22 دولة عربية، لتاريخه لم تُصَّنف أياً منها بمستوى الدولة المتقدمة. أغلبها من الدول الفقيرة الأقل نمواً التي لا ترقى للمستوى الخامس في التصنيف التنموي، وبعضها من دول العالم الثالث التي تم تصنيفها (أدباً) بالدول النامية.

يقطن العالم العربي 5% من سكان المعمورة، 33% منهم يعيش تحت وطأة الفقر و25% منهم يعاني من الجهل و20% منهم يرزح تحت عبء البطالة. معظم خبرائهم هجروا الديار وجُّل علمائهم يغطون في سُبات عميق. فضائياتهم العربية غدت تفوق أعداد جامعاتهم بنسبة 320%، وإجمالي ناتجهم الاقتصادي العربي يقلّ عن ربع مثيله في دولة أوروبية متواضعة.

قبل أيام أعلن رئيس البنك الدولي "روبرت زوليك" عن هشاشة وضع دول الشرق الأوسط بسبب تعثر مسيرة الإصلاح الاقتصادي، وخاصة في تونس ومصر. تواجه الدول العربية مجموعة من التحديات المزمنة، ذات عوامل اقتصادية مشتركة لا علاقة لها بالسياسة، بل تنحصر في تفشي البطالة، تفاقم الفقر، تردي أوضاع الصحة والتعليم، واتساع فجوة الجوع والعطش.

تأتي البطالة في مقدمة هذه التحديات، حيث فاقت نسبتها في العالم العربي أعلى المعدلات الدولية ووصلت إلى 20% وتتزايد سنويا بمعدل 3%. ولقد حذر صندوق النقد الدولي مطلع العام الجاري من تداعيات أزمة البطالة، لكونها المشكلة الرئيسية التي أدت إلى الثورة الشعبية العنيفة في تونس.

عدد سكان الوطن العربي تجاوز حاليا 340 مليون نسمة وسيرتفع إلى 482 مليونا في عام 2025، لتصل نسبة من هم دون سن الخامسة والعشرين إلى 60%. لذا يتوجب على الدول العربية ضخ 150 مليار دولار من الاستثمارات ورفع معدل النمو الاقتصادي من 3% إلى 7% لتوفير 100 مليون فرصة عمل جديدة لمواكبة هذه الزيادة ومواجهة مشكلة تفشي البطالة.

كما جاءت إحصاءات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) لتؤكد أن أكثر من 25% من سكان العالم يعانون من آفة الفقر، منهم 100 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، وذلك بسبب الفساد وفشل الخطط التنموية والاقتصادية. في تونس فاقت نسبة الفقر 15% وفي الأردن ولبنان 10% والجزائر 23% والعراق 29% والمغرب 14% واليمن 26% وموريتانيا 19% والصومال 49% والسودان 33%.

أما في مصر التي تعد أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان فإن 46% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر و35% من النساء و53% من الأطفال في مصر لا يحصلون على الطعام المناسب.

وتأتي الأحوال الصحية في المرتبة الثالثة من هذه التحديات، فلقد اعتبرت منظمة الصحة العالمية أن الأمراض غير السارية تعتبر أكبر المشاكل التي تعيق التنمية المستدامة في العالم العربي، حيث تشكل أمراض القلب والرئة والأوعية الدموية والسكري والسرطان 50% من الوفيات في الوطن العربي.

ولعل تزايد الفجوة الغذائية والمائية في العالم العربي هو أيضاً من أهم التحديات، حيث فاقت الفاتورة الغذائية الخليجية في العام الماضي 27 مليار دولار وفي الدول العربية الأخرى 22 مليار دولار. وفي الوقت الذي لا تزيد الأراضي الزراعية المستغلة في الوطن العربي عن 30% فقط من الأراضي الصالحة للزراعة، فإن مساحاتها تتناقص بنسب كبيرة تفوق 5% سنوياً نتيجة للاستخدام الجائر للأراضي. ومع ذلك تستهلك الشعوب العربية 50 مليون طن من الحبوب سنوياً ليبلغ نصيب الفرد الواحد 325 كيلوجراما، وهو من أعلى المعدلات العالمية.

أما على صعيد المياه فإن 20% من المواطنين العرب لا تتوفر لهم المياه الصالحة للشرب و32% لا يستخدمون الصرف الصحي المأمون. وتعتبر ندرة المياه وسوء استغلالها وهدرها من أهم العوامل المؤثرة في وفرة المياه بالوطن العربي. فبينما تضم المنطقة أكثر من 5% من سكان العالم فإنه لا يتوفر في الوطن العربي سوى 1% من الموارد المائية العالمية المتجددة، كما لا يتجاوز معدل حصة الفرد حاليا من هذه الموارد 1000 متر مكعب في السنة فقط مقابل 7000 متر مكعب للفرد في العالم كمتوسط سنوي.

أما الجهل المتفشي في الوطن العربي فهو آفة الآفات، حيث أشارت إحصائيات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو) إلى ارتفاع مخيف لعدد الأميين العرب من 50 مليونا في عام 1990 إلى 90 مليونا في عام 2009، لتساوي هذه النسبة ضعف مثيلتها على الصعيد العالمي.

ورغم إعلان المجموعة العربية عن تبني استراتيجية "محاربة الأمية" على المدى القصير لتخفيضها بنسبة 20 بالمئة في عام 2010، ثم القضاء عليها في 2015، وذلك من خلال توفير التعليم لمليون مواطن أمي كل عام، إلا أن هذه الخطوات فشلت فشلاً ذريعاً كغيرها من الخطوات الاستراتيجية العربية غير المدروسة.

لا توجد هنالك حلول سحرية لمواجهة تحديات عالمنا العربي المزمنة، ولكن علينا قبل فوات الأوان التركيز على الاقتصاد، مثل ما قامت به ماليزيا وكوريا وتايوان وسنغافورة، لاجتثاث شأفة البطالة والفقر والجهل والمرض والجوع والعطش في أوطاننا...ولننجح في السياسة أيضاً.