منتدى الاقتصاد العربي في دورته الثامنة عشرة والذي عقد في بيروت نهاية الأسبوع الماضي استضاف رئيس وزراء اليونان وهي من البلدان التي تسببت الأزمة المالية في إفلاسها .. استمعت إليه بإصغاء وهو يلقي كلمته الطويلة. وكما يقال فكثرة الصراخ من شدة الألم. فكلمته الطويلة ( 29 ) صفحة تحدث فيها عن سبب الأزمة والحلول التي اتخذتها الدولة لإعادة القطار إلى مساره الصحيح .

عندما بدأت الأزمة المالية تجتاح العالم كانت الأنظار موجهة للأفراد والمؤسسات الذين أفلسوا أو في طريقهم للإفلاس، عمليات إنقاذ سريعة ومكلفة قامت بها الدول للتخفيف من آثار تلك الأزمة.

المفاجأة أنه لم يقتصر الأمر على الأفراد والمؤسسات، بل بدت ظاهرة مقلقة وهي إفلاس " الدول"، فدولة آيسلندا كانت من أول المتضررين، واليونان كذلك من بين تلك الدول التي أصابتها مخالب تلك الأزمة، وهناك دول مرشحة للإفلاس مثل إسبانيا والبرتغال وايرلندا .

كنت حاضراً في المنتدى ومستمعاً ومستمتعاً بحديث رئيس الوزراء، لأنه يتحدث من مسرح الحدث وينقل الواقع. فعندما تفلس الشركة فإن الضرر يقع على العاملين في تلك الشركة، ولكن إذا أفلس بلد فإن حياة الملايين ستتغير للأسوأ .

عوامل كثيرة ومهمة حددها رئيس وزراء اليونان وكانت سبباً في الحالة التي وصل إليها بلده، مساحة المقال لا تتسع لعرض كل تلك العوامل، أهمها ما أكد عليه وهو " البيروقراطية الإدارية " التي تغلغلت في القطاع الحكومي اليوناني. فالبيروقراطية مع عوامل أخرى ساهمت في إفلاس بلد وكانت خلف طرد المستثمر الخارجي والتضييق على المستثمر الداخلي.

اليونان بحاجة ماسة جداً إلى التغيير ، هذه من أقسى العبارات التي رددها رئيس الوزراء، كما هي بحاجة الى نظام ونموذج جديد للإدارة الحكومية لإنقاذها .

إصلاح القطاع الحكومي من أول وأهم العناصر في تنمية الدول، لأنه تبدأ وتنتهي عنده جميع شؤون القطاع الخاص والمستثمر الأجنبي .

وإصلاح القطاع العام يترتب عليه " انتعاش " أو " تدهور " نوعية الحياة في كثير من دول العالم .

فعندما يتحدث رئيس وزراء اليونان عن البيروقراطية التي أوصلت بلده إلى هذه المرحلة، وهو عضو في الاتحاد الأوروبي وقام بإصلاحات جذرية قبل الانضمام للاتحاد، فماذا عن القطاع العام في الكثير من البلدان العربية؟.

إذا كانت اليونان، وفقاً لرئيس الوزراء، بحاجة إلى إصلاح القطاع العام لمعالجة مشاكل البلد، فإن الدول العربية في أشد الحاجة إلى هذا التوجه والإسراع بوضع برنامج زمني يضمن أن يتواكب ذلك القطاع مع الفترة الحرجة القادمة التي لن يعيش فيها إلا من كان جادا وبدأ فعلا في إصلاح وتعديل جميع أنظمة القطاع العام .

في هذا المنتدى تم تكريم سمو الأمير خالد الفيصل كشخصية سخرت المال لخدمة الثقافة.وألقى سموه كلمة مهمة لمرحلتنا القادمة ، قال فيها " ولأننا أمة زاخرة بالفرص والإمكانات والطاقات، فإن المرحلة الدقيقة التي نمر بها توجب علينا التفكير المعمق لتدبير فرص الاستقرار ومواجهة التحديات والمخاطر".