شهدت البلاد في هذا العام والعام الماضي أرقاما كبيرة في الميزانيتين اللتين أعلنتا خلال هذين العامين.. ومن خلال تفاصيل الأرقام والمصروفات اتضح أن هناك تركيزا على الجوانب الخدمية تتقدمها الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والإسكان وتتبعها مشروعات كبيرة في الطرق وخدمات النقل وغيرها من الخدمات التي يجب أن تنعكس إيجابياً على حياة المواطن ومعيشته ورفاهيته للسير نحو تحقيق أهداف الخطة الخمسية التاسعة (1430/ 1431 - 1435/ 1436، 2010 - 2014) والتي نعيش عامها الأول ليرى المواطن اختلافاً كبيراً بعد تحقق أهدافها الثلاثة عشر الطموحة في نوع الخدمات المقدمة له بعد انتهاء الخطة واكتمال تلك الخدمات التي أشارت لها الخطة لتعقبها بإذن الله خطط طموحة قادمة وخدمات أفضل مستقبلاً نظراً لما نعيشه في بلادنا والحمدلله في مستوى اقتصادي متميز يكفل لها تحقيق ما يصبو إليه المواطن وما يطمح له من الخدمات التي تتواءم مع هذا المستوى الاقتصادي.. وعندما يرى المواطن أرقام الميزانيات المرتفعة فإنه يسر لأنه سيستمتع بمستوى خدمات متميزة تتناسب مع حجم الإنفاق.
مع طموح الخطط الخمسية التي وضعت.. فيما مضى كانت هناك إشكاليات كثيرة متعددة الأسباب ومختلفة الأشكال.. منها عدم تحقق أهداف الخطط الخمسية لسوء التنفيذ.. ومنها عدم تنفيذ تلك الخطط بعدم التنفيذ أصلاً.. ومنها عدم التنفيذ بسبب البيروقراطية. هذه الإشكاليات يجب أن تتناولها القطاعات كل قطاع فيما يخصه بالتحليل والدراسة بهدف تجنبها في تنفيذ الخطة الخمسية الحالية وإيجاد الحلول لها ضمن القطاع أو بالتنسيق مع قطاعات أخرى لها علاقة بهذه الإشكاليات. فمبالغ الميزانيات التي رأيناها ومبالغ الميزانيات المتوقعة لن تبقي عذراً واحداً بعدم تنفيذ ما جاء في الخطة.. المواطن يريد أن يرى نتائج هذه الميزانيات على أرض الواقع.
والمواطن يريد أن تنفذ المشروعات في وقتها المحدد والمواطن يريد أن يرى أثر وأهداف المشروعات متحققة.. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى هناك إشكاليات تتعلق بتحقيق أهداف المشروعات.
نعرف أن هناك نوعين من المشروعات.. نوع يحقق أهدافه فوراً عند الانتهاء منه إذا نفذ بمستوى جيد.. مثل الطرق والجسور والأنفاق والكباري وما شاكلها.. ونوع آخر يختلف تماماً عن هذه المشروعات.. مثل هذه المشروعات على سبيل المثال المشروعات التعليمية والصحية ففي مثل هذه المشروعات لا يمكن أن يُقال إنه تم تحقيق الأهداف عند تشييد مبنى مدرسة أو مستشفى.. لكن يقال ذلك عندما نرى أثر هذا المشروع على منتج المدرسة. وعندما نرى أثر هذه المشروعات خدمات صحية تنعكس على مرتاديها ومراجعيها.. وهذا يضع عبئاً إضافياً على القائمين على هذه القطاعات.. ولهذا السبب نرى كثرة الحديث على هذين القطاعين.. مثل هذه المشروعات يجب الاكتفاء بالاحتفاء بالمنجز المظهري والاقتراب من المنجز الجوهري. أرى أن هذا أمر في غاية الأهمية لهذين القطاعين على وجه التحديد.
وللأمانة نعرف جميعاً السعي الدؤوب للمسؤولين على أن تحقق قطاعاتهم أهداف خططهم وسياساتهم ومشاريعهم وبرامجهم.. لكن الجميع يتفقون على أن المصاعب لا يمكن حلها بالإرادة والتصميم فحسب.. يجب أن تكون الرؤية أعمق من ذلك إلى درجة معرفة الشروط والمعايير التي تحقق الأهداف.. ولكل قطاع شروطه الخاصة ومعاييره المختلفة لتحقق أهدافه.. وما لم يع المسؤول بعمق، هذه الاشتراطات لتحقيق الأهداف فقد لا يكون للمال المتوفر ولا للعزيمة والتصميم والحماس لتحقيق الأهداف الدور المتوقع لتنفيذ أهداف المشروعات بالمستوى المأمول.
وهناك بعد ثالث لهذه القضية وهي أن ميزانياتنا بأحجامها الكبيرة تتضمن مشروعات ضخمة وعديدة وضخامتها وتعددها قد يحول دون وجود الشركات التي تتناسب مع مستوى هذه المشروعات.. وقد كانت هذه المشكلة سببا أساسياً في عدم تنفيذ العديد من المشروعات في الماضي.. وحل هذه الإشكالية بشكل مؤقت لا يجدي.. وقد يكون في اندماج بعض الشركات الوطنية حلاً مستديماً إذا أردنا ضمان تنفيذ مشروعاتنا وخططنا بالشكل والمستوى المناسبين.
إنها صدمة كبيرة عندما يسمع عن مشروع عملاق وضع في الخطة ورصدت له المبالغ الكافية ولم يتحقق أو تحقق بمستوى مترهل. ولضمان تحقق المشروعات التي وضعتها الدولة وبالمستوى الذي خطط له أقترح أن يكون هناك نظام مساءلة للمسؤول الأول عن كل قطاع بحيث يعرض على جهة متخصصة بمستوى يتناسب وحجم مسؤولية المسؤول تناقشه بعمق عن تحقق الجوهر في مشروعات قطاعه لا تحقق المستوى المظهري.. وهناك فرق كبير.. نناقشه كل سنة عن نسبة الإنجاز في تحقق خطته الخمسية.. يعرض فيها نسبة الإنجاز ومستواه والمشكلات التي تعترض الإنجاز والحلول المقدمة لحلها والوقت المحدد لذلك الحل ثم تسأله في السنة الأخرى عن مدى نجاح الحلول التي طرحها وهل تم بالفعل النجاح في تخطي الصعوبات والمضي لتحقيق نسبة الإنجاز في العام الثاني وفق الخطة.. وهكذا.. هنا يعرف المسؤول أنه أمام مسؤولياته وجها لوجه بمكاشفة صريحة وعميقة.. تضعه ومعاونيه أمام مسؤولياته.. بدون هذه الخطوة.. سنبقى أمام دفاع هجوم سطحي لا نصل فيه إلى العمق الذي يضمن التعرف بشكل شفاف على حقيقة مشروعاتنا؛ ما أنجز منها وما لم ينجز وكيف أنجز ومتى ينجز.
هذه الأموال الطائلة والمشروعات الضخمة ينبغي أن يسايرها نظام متابعة دقيق وشفاف.. نعرف بالضبط حقيقة الأمور كما هي على أرض الواقع. وإلا فإن الخوف على ميزانياتنا وخططننا سيبقى قائماً.