رغم تميز موقع معرض جامعة "طيبة" الدولي للكتاب والمعلومات هذا العام، وقربه من المسجد النبوي، وانفتاحه على المنطقة "المركزية"، التي تعج بأهالي المدينة المنورة، وزائري المسجد النبوي الشريف من كل مكان، لم يستطع المعرض في نسخته الثانية، أن يحقق تطلعات الناشرين، وحتى المثقفين، الذين أبدى عدد منهم انتقادات تنظيمية، رغم حرصهم على "ضرورة استمرار المعرض"، كون "الكتاب ركيزة أساسية في ترسيخ الوعي والانفتاح الفكري".
"الوطن" وخلال جولتها في المعرض، بدا واضحا لها أن ذات سيناريو العام الماضي –بأخطائه- تكرر هذا العام، وباستثناء المكان المميز الذي كان محل إجماع الناشرين، لم تمكن أيام المعرض التي وصلت إلى 15 يوما، أن ترفع من سقف المبيعات، والتي تراجعت بشكل كبير جدا، حتى إن عددا من الدور، تمر عليها أيام، دون أن تبيع كتابا واحدا!.
رسالة اعتراض
قصص كثيرة تحدثت عنها دور النشر، والتي خلت حتى من زيارات المؤسسات التعليمية، التي من شأنها أن ترفع من القوة الشرائية للمعرض، وهو ما دفع بـ121 ناشرا، إلى رفع "رسالة" إلى مدير جامعة طيبة - حصلت "الوطن" على نسخة منها- أكدوا فيها أن 80% من المشاركين، لم يتمكنوا حتى هذه اللحظة، من تغطية نفقات الطعام والمسكن فقط، جراء قلة المبيعات، وانعدامها لدى بعض المشاركين في بعض الأيام، بحسب ما جاء في رسالتهم إلى مدير الجامعة.
رئيس اللجنة التنفيذية لمعرض جامعة "طيبة" للكتاب والمعلومات، الدكتور مصطفى بن عمر حلبي، تحدث لـ"الوطن"، موضحا أنه "من حق المشاركين علينا أن نسمع صوتهم"، مؤكدا أن "هناك حركة بيع واضحة، وسوف تخرج المحصلة الأخيرة نهاية المعرض، من خلال طريقة حسابية".
خسائر باهظة
الأخطاء التي وقع فيها المعرض العام المنصرم، بدا واضحا - بحسب ما تضمنته رسالة الناشرين- أنها تكررت هذا العام، الأمر الذي يفسر عدم مشاركة بعض دور النشر الخارجية، والتي شارك بعضها العام الفائت، خوفا من شبح الخسائر الذي بات يهدد الناشرين.
الموقعون على الرسالة، كشفوا في شكواهم لمدير جامعة "طيبة" عن الصورة "الضعيفة" التي بدا عليها المعرض هذا العام وقالوا في نص شكواهم "تركنا الأهل والولد، وتحملنا عناء الغربة ومشقة السفر، وتكبدنا ما تكبدناه من مصاريف باهظة، سعيا وراء لقمة العيش، لكن النتيجة كانت سلبية، حيث إن 80% من المشاركين حتى هذه اللحظة، لم يتمكنوا من تغطية نفقات الطعام والمسكن فقط، جراء قلة المبيعات، وانعدامها لدى بعض المشاركين في بعض الأيام".
الرسالة، وقعها 121 مشاركا، من أصل 232، أي أكثر من نصف المشاركين في المعرض، وهم يمثلون كافة الدول بما فيها المملكة.
أسباب الضعف!
أسباب ضعف الإقبال، رآها البعض، أنها أتت جراء "توقيت المعرض غير المناسب"، والذي أقيم بعد معرض "الجامعة الإسلامية" بأسبوعين، حيث كان المعرض الأخير "ناجحا" بحسب بعض الشهود، وبالتالي فإن "من كان يحتاج لشراء مجموعة من الكتب، فقد اشتراها من معرض الجامعة الإسلامية". إضافة للسبب السابق، فإن وقوع المعرض في منتصف الشهر، أثر على القدرة الشرائية، خاصة للموظفين الحكوميين، والأكاديميين، وطلبة العلوم الشرعية، وكذلك الطلاب، لأن "رواتبهم" يكون قد صرف أكثرها، في احتياجات شخصية وأسرية، وباتوا ينتظرون راتب الشهر القادم!.
السببان السابقان، يضاف لهما سبب ثالث، وهو ضعف مستوى الدعاية والإعلان للمعرض، حيث لم يكن بالمستوى "المطلوب". كما انتقد المشاركون، طول مدة المعرض، التي تمتد إلى 18 يوما، وتعتبر "مرهقة نفسيا، ومكلفة ماديا"، وذلك في ظل انخفاض المبيعات اليومية.
المشاركون، وفي خطابهم لمدير جامعة "طيبة"، وجدوا أن المعرض جاء في "فترة انشغال الطلبة وذويهم، بالامتحانات النهائية"، ما أثر على حركة الشراء، مضيفين أسبابا أخرى، أدت لضعف المعرض، وهي عدم وجود مؤسسات تعليمية، من جامعات ومدارس ومكتبات عامة، تقوم بالشراء، كما هي العادة في معظم معارض الكتاب، إضافة إلى "ارتفاع أجرة المشاركة في المعرض"، مقارنة بالمعارض الدولية الأخرى.
موقع مميز ولكن!
السلبيات السابقة، لم تمنع "الناشرين" من الإشادة بالموقع المميز للمعرض، كما الجهود المبذولة في بناء الخيمة، والإنارة، ومستوى الأمن، رغم انتقادهم لمستوى التكييف، الذي لم يرقَ إلى المستوى المطلوب، خصوصا في ظل ارتفاع درجات الحرارة. تفاصيل مادية وتنظيمية قد يراها البعض صغيرة وهامشية، إلا أنها مهمة لأشخاص أتوا باحثين عن "لقمة العيش"، ويجلسون إلى جوار الكتب يوميا، باحثين عن مشترين "مفترضين"، وهؤلاء "لن يأتوا إليك، ما لم تهيئ البيئة الصحية المتكاملة لهم".
أجور المشاركة
المشاركون، وفي خطابهم المرفوع، طالبوا اللجنة المنظمة بـ"الوقوف إلى جانبهم، وتخفيف جزء من معاناتهم" من خلال "تخفيض أجرة المشاركة" لهذه الدورة إلى النصف. مناشدين جامعة "طيبة دعم المشاركين، من خلال "تخصيص مبلغ للشراء من كل ناشر مشارك مباشرة".
غياب دُورٍ عربية
بالرغم من أن عدد دور النشر المشاركة هذا العام، وصلت لـ 234 دار نشر، تمثل 15 دولة، بما فيها المملكة، إلا أنه لوحظ غياب دور نشر شهيرة في الوطن العربي، من بينها دور: "الساقي"، و"الجمل"، و"الطليعة"، و"أزمنة"، و"رياض الريس"، و"المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، و"المدى"، "المركز الثقافي العربي"، وسواها من الدور العربية المهمة، والتي تضم كتبا يبحث عنها القارئ المحلي والعربي، إضافة إلى تخلف عدد آخر من دور النشر، كانت قد شاركت في معرض جامعة "طيبة" الدولي للكتاب والمعلومات، في نسخته الأولى، مثل دار "صامد"، ودار "توبقال" المغربية.
"طيبة" دعت ودعمت
"الوطن"، اتصلت برئيس اللجنة التنفيذية، لمعرض جامعة "طيبة" للكتاب والمعلومات، الدكتور مصطفي بن عمر حلبي، وطرحت بين يديه عددا من إشكالات "الناشرين"، والتي تضمنتها رسالتهم، حيث أكد حلبي على أن "الجامعة دعت عددا واسعا من المؤسسات، والتي لديها فرصتها كاملة لشراء ما يناسبها من المعرض، في حال وجدت بغيتها في الشراء"، مشيرا إلى أن اللجنة المنظمة لا تستطيع أن تلزم أحدا بالشراء، "خصوصا أن بعض الكتب المعروضة، قد لا يكون لها السوق الرائج بالبيئة الثقافية الموجودة، فهناك من الناشرين من يأتي بكتب تتناول حقبا تاريخية قديمة، والتي عادة ما يكون عميلها محدودا، وليست كالكتب العلمية التي تخدم تخصصات مطلوبة، وتراعي الجو الثقافي المطلوب".
وعن إمكانية دعم الجامعة للناشرين، من خلال شراء بعض إصداراتهم، أكد حلبي أن "الدعم من قبل الجامعة ضروري، ولكن لا يمكن أن يتم الشراء من الجميع، خصوصا أن بعض دور النشر جاءت بكتب بعيدة عن اختصاص الجامعة، مثل ألعاب الأطفال، مع تقديرنا لدورها في خدمة ثقافة الطفل، وتنمية قدراته"، مضيفا أن "المعرض هو محفل ثقافي علمي، وليس معرض جامعة طيبة".
بناء جسور ثقافية
وبخصوص شكوى بعض دور النشر، من ضعف القوة الشرائية بالمعرض، وانعدامها في بعض الأيام لدى البعض، أكد حلبي أنه "ليس الأصل بالمعارض البيع والشراء، فالمهم أن تؤكد دار النشر المشاركة وجودها بالسوق، من خلال بناء جسر ثقافي بينها وبين دور النشر الأخرى، وكذلك بينها وبين جمهور القراء في كل مكان".
حركة بيع واضحة
الدكتور مصطفى حلبي، أكد على أن "هناك حركة بيع واضحة، وسوف تخرج المحصلة الأخيرة نهاية المعرض، من خلال طريقة حسابية، ليس عن طريق الفواتير فقط، ولكن كذلك من خلال عدد الكراتين التي تدخل المعرض، والتي سوف تكشف عن نسبة البيع الحقيقية، التي تحققت".
انفتاح على النقد
وحول كتابة "الناشرين" لرسالة يشتكون فيها من "ضعف القوة الشرائية" في المعرض، أكد حلبي أنهم حصلوا على الرسالة خلال زيارة مدير الجامعة إلى المعرض، وأنه "من حق المشاركين علينا أن نسمع صوتهم"، مؤكدا أنهم حريصون كل الحرص على تلقي كل الملاحظات، بدلالة وضعهم لاستمارة تقييم في المعرض، بجميع جوانبه بما فيها الجانب الثقافي، بحسب الدكتور حلبي. وفيما يتعلق بالمطالب بتخفيض قيمة المشاركة في المعرض إلى "النصف"، أكد حلبي على أن هناك عقدا مكتوبا بينهم وبين الناشرين، بقيمة أجرة المتر المربع، ولا علاقة لذلك بمسألة البيع والشراء، طالما أن هناك موافقة على قيمة أجرة الجناح، وإذا حصل تخفيض للسعر، فهو "تفضلٌ" وإن لم يحصل "فلا ملامة في ذلك".
إشراف مباشر
الناشرون، اشتكوا أيضا من أن جامعة "طيبة"، أوكلت التنظيم للشركة المنفذة، ورفعت يدها عن المعرض، وهو الأمر الذي نفاه حلبي، معتبرا "هذا الكلام غير صحيح"، مؤكدا أن دور الشركة المنظمة يكمن فقط في "التسويق"، أما الإشراف المباشر من خلال اللجان، فيتم من قبل جامعة "طيبة".