لا شك أن الكثير من الحركات "الإسلامية" التي نشطت وما زالت تنشط سياسيا في العالم العربي، عانت من التضييق والإقصاء وحتى الزج ببعض أفرادها في السجون، لأسباب كثيرة لعل أهمها سعيها الدائم وبكل الطرق المشروعة وغير المشروعة في بعض الأحيان للوصول إلى سدة الحكم وقيادة البلاد والعباد وفق رؤيتها الخاصة، وهذا برر محاربتها من بعض القوى السياسية الأخرى بنفس الأسلوب بطرق مشروعة وغير مشروعة!. وهو ما أدى إلى كبت الحريات الدينية في بعض تلك الدول، في جوانب العبادات والمعتقدات الخاصة، كأحد وجوه تنافس الفريقين على الكعكة السياسية، مما أدى إلى حرمان بعض الفئات الاجتماعية الأخرى من حقها في التدين الشخصي والتعبير الحر عن حقها في التفكير والممارسة اليومية، التي لا تؤثر سلبا على الأمن والتعايش.
وقد رأينا في حالتي تونس ومصر نماذج واضحة، حيث يؤكد بعض من تظاهروا أنهم عانوا من الاضطهاد الديني، ولذلك خرجوا مؤيدين ومناصرين لـ" ثورة" الشعبين التونسي والمصري. لكن المفاجأة الحقيقية هي في ظهور بعض الطروحات والمقالات التي ترى أن النجاح الحقيقي لهذه الثورات الشعبية، مرهون بتولي تلك الحركات الأيديولوجية سدة الحكم، وأن ما دون ذلك فهو مجرد "عبث" لا يفيد الشعوب العربية حتى وإن تحققت لها الكثير من الحريات في الممارسة الدينية والفكرية والإعلامية والسياسية، فقد كتب أحد الأكاديميين السعوديين الذي عرف بسجالاته الكثيرة في مجالات عمل المرأة ورؤيته الخاصة لتطبيق الشريعة مقالا قبل عدة أيام، يتحسر فيه على ضبابية مستقبل "الحرية" ـ بمفهومه هو طبعا ـ في تونس، ويبرر تلك الضبابية بأن حزب "النهضة الإسلامي" لا ينوي دخول الانتخابات والآخرين مشغولون باختلافاتهم الداخلية، ولا يلوح في الأفق من سيقود البلاد إلى غد يختلف عن الماضي!. إذن فالحرية عند هؤلاء هي أن يتولوا المناصب السياسية ويقفزوا فوق الرقاب بأي ثمن، وما دون ذلك من تشريعات وأنظمة تحقق حرية المعتقد والتفكير والممارسة للجميع قد تكون نتيجة لهذه الثورات، لا تعني"حرية"، لأنها ليست الحرية التي ينشدون!.
إذن فالسبب الأول، لما حدث في تلك البلدان من محاربة لممارسة الشعائر الدينية، تحت شعار محاربة الحركات "الإسلامية"، يتحمل وزره بشكل كبير، قادة ومنظرو تلك الحركات التي جعلت الدين وسيلة لاحتلال مكان الصدارة في القيادة السياسية للشعوب. وهنا أعطت مبررا للآخرين، ممن يملكون القوة العسكرية والمالية، لتحجيم حرية المعتقد والتدين بحجة محاربة هؤلاء، بعكس ما يحدث في دول غربية "علمانية"، تسمح بهذه الممارسة الفكرية بكل حرية، مما جعل الكثير من المُحاربين في أوطانهم بسبب التدين يقصدون تلك البلدان لضمان العيش الكريم والحرية الدينية.