في خضم الأحداث المتلاحقة العجيبة تذكرت أرجح عقول بني آدم على الإطلاق؛ سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتذكرت تلك المقولة الشهيرة لأحد أبرز المتسامحين مع الأديان؛ الكاتب والمفكر الأيرلندي الشهير؛ جورج برنادر شو ـGeorge Bernard Shawـ :"What the world desperately needs to Muhammad to solve the problems of the world، sipping A cup of coffee". وترجمتها باللغة العربية: "ما أحوج العالم إلى ـ سيدنا ـ محمد ليحل مشاكل العالم، وهو يحتسي فنجان قهوة". الاستدلال بالمقولة السالفة الذكر ليس من أجل كسب شرعية الحبيب المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فالآيات الكريمة والأحاديث الفاضلة والآثار المباركة ـ كما ذكرت سابقا ـ تغني عن ذلك كله.
ولكن تداعي الأحداث ـ الدول العربية أنموذجاً ـ وسرعة حدوثها، استدعى هذه المقولة ـ عندي ـ أكثر من غيرها، بغية المحاولة في إيجاد حلول ناجعة، لا سيما أن الحلول الجذرية ـ عند العقلاء ـ هي في سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما أرسله الله به من شرائع ونظم، وأخص بالذكر تفعيل المثلث المهم؛ (العدالة والمساواة والحرية). إذ إن العمل عليه حصن حصين من المشاكل الكبيرة والصغيرة. فلا شر أشر من الانحياز لفرد دون فرد، أو لمجموعة دون مجموعة. وسيجد كل من ينشد النجاة أن تطبيق العدالة كفيل بتيسير تعايش الناس مع بعضهم البعض، وبدون ذلك ستحصل المشاكل. "الناس سواسية كأسنان المشط" حديث حفظه الناس عن ظهر قلب، من أهم معانيه أن لا خطر أخطر من حجب فرص العيش الكريم عن بني البشر، وأن وزن الناس لا بد أن يكون على الدوام بميزان واحد، وعدم ذلك يعني ـ أيضا ـ حصول المشاكل.
أما الحرية فتعني فك القيود المكبلة للإنسان، وتخليصه منها، وتعني السماح له بالكلام وكذا حق الاختيار، وبدونها ـ كذلك ـ لن نجد إلا المشاكل. فتحقيق العدالة والمساواة والحرية يقضي على المشاكل والفتن، كما يقضي على غرور المغرورين، ويقضي في نفس الوقت على وهن وضعف المساكين والمخذولين.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في كتابه (الحسبة في الإسلام)، ونقلت في (مجموع الفتاوى) ".. يروى ـ أن ـ الله ينصر الدولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة، ولو كانت مؤمنة.. أمور الناس تستقيم مع العدل، أكثر مما تستقيم مع الظلم.. الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام.. إذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة..".
ومن المؤكد أنه لا غضاضة في هذا الاستدلال أبدا، فلقد أثنى ـ وقرر ـ داهية العرب؛ سيدنا عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ قديماً على الروم بخصال مهمة، منها أن "خيرهم لمسكين ويتيم وضعيف"، ولا يضيرني كمسلم أن أقول إن في غير المتدينين بديني صفات تستحق المدح؛ (العدالة والمساواة والحرية). فديني دين العدل، ومن العدالة التي تعلمتها من سيدنا محمد ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ أن لا أظلم أمة من الأمم، ولا أنكر ما لها من صفات حسنة، حتى لو كانت أمة غير مسلمة، مع ( يقيني التام) بأن سنة خالق الكون في النصر والعز والتمكين، هي للصالحين من عباده المسلمين المؤمنين.