الدمار الذي أصاب مدينة جدة من جراء الأمطار لا يمكن وصفه، الدمار الذي في البيوت والشوارع والطرقات والسيارات ما زال يشهد على نفسه بنفسه، والدمار في الأنفس والمشاعر أعمق وأكبر. أمس وفي هذه الصحيفة روى الزميل عبدالعزيز قاسم مأساته وأسرته، حيث تضرر منزله – تحويشة عمره– في حي النخيل أضراراً بالغة، وذهبت سيارته التي لم يكتمل تقسيطها أدراج السيل الذي طوح بها وأحالها إلى خردة. مأساة عبدالعزيز هي مأساة أكثر من أربعة آلاف وثلاثمئة أسرة أخرجتها الأمطار من منازلها إلى دور الإيواء وأفقدتها سياراتها وطمأنينتها، هذا عدا آلاف المركبات التي جرفتها الأمطار في أحياء وشوارع مختلفة. ومثلما كتب قاسم، سطر الدكتور وليد فتيحي عبر إعلان مدفوع الثمن على صفحة كاملة مأساة المستشفى الدولي الواقع في شارع حائل، ومأساة هذا المستشفى هي ذاتها مأساة العديد من المستشفيات الأهلية والحكومية والمنشآت والمباني الكبرى التي تحولت بدروماتها إلى بحيرات مترعة بالماء الآسن الذي قطع الكهرباء والماء وأغرق المركبات والأجهزة والجهود وأفزع الجميع، وهو فزع مازال مقيما سيما مع توارد أنباء عن تسربات من السد الاحترازي في حي السامر شرق جدة ، حيث أوضح مصدر بالأمانة لصحيفة المدينة أن هذه التسربات إن حدثت ستكون كارثة جديدة للمحافظة المكلومة.
اليوم يقوم سمو النائب الثاني وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز بجولة تفقدية ليقف بنفسه على حجم الكارثة التي شهدتها جدة مرتين في عامين متتاليين، وذلك قبل أن يرأس سموه الاجتماع الثاني للجنة التي رأس اجتماعها الأول في الرياض مساء الأحد الماضي بناء على أوامر خادم الحرمين وسمو نائبه. سكان جدة يتطلعون بآمال كبيرة إلى نتائج جهود اللجنة التي حدد سمو النائب الثاني أعمالها في إزالة آثار الكارثة بسرعة، وتحديد أسبابها، والعقاب لكل مقصر دون تهاون، وتعويض المتضررين، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بعدم تكرار الكارثة مرة أخرى، ولاشك أن هذه الإجراءات التي حددها سمو الأمير متى ما تمت بالسرعة المطلوبة ستضمد ما انفتح من جراح عميقة في الأرض وفي النفوس، ولأنني قلت بالسرعة المطلوبة فلا بد أن أشير إلى الأهمية القصوى لوضع آلية جديدة للتعامل مع هذا الوضع، آلية تختلف جذريا عن تلك التي اتبعت في أعقاب الكارثة الأولى، فتلك الآلية البطيئة لم تسفر عن شيء يمكن التعويل عليه لا في المحاسبة والعقاب ولا في معالجة الكارثة من جذورها ولا حتى في تقدير حجم الأضرار وصرف التعويضات، الأمر الذي يحتم ابتكار آلية جديدة تضمن السرعة والشمولية، ابتداء من تقدير الأضرار والتعويضات ومرورا بتحديد مسؤولية التقصير والإهمال وانتهاء بالصرف العاجل للأموال الكافية من وزارة المالية للإسراع في استكمال مشاريع الصرف الصحي التي قال عنها الأمير خالد الفيصل إنها تأخرت أكثر من اللازم، والواقع أنها تعطلت حتى يئس الناس من تنفيذها بل ونسوها، ويبدو أن تعطيلها سيطول أكثر ما لم يتم فتح القناة المسدودة في وزارة المالية، وهي القناة التي إن انفتحت وفق ما تقتضي المصلحة والضرورة وما تقوله مؤشرات الكارثة المطرية وما تضمنته الأوامر الملكية فإن جدة ستخرج سريعا من عنق زجاجة الصرف الصحي وتصريف الأمطار والسيول بأسرع مما يتوقع سكانها الذين استوطنهم الخوف من أمطار السماء وطفح الأرض وانهيار السدود وتراكم الإهمال وتضخم الفساد، وهو خوف لن ينتزعه إلا توصيات (نايف) الحازمة العاجلة، وتأكيدات (سلطان) الحادبة المخلصة، وأوامر (الملك) القطعية النافذة، وأمام ذلك لن يبقى مجال لسد أو تعطيل أي قناة للصرف لا في أرض جدة ولا في وزارة المالية.