إن صدمة الكوارث الطبيعية أمر مخيف لمن كان في قلب الكارثة من البالغين، ولكن ماذا عن الأطفال ومن هم في سن المراهقة؟ عادة ما تكون تأثيرات الدمار الذي أصاب البيئة المحيطة كالمنازل والشوارع وغيرها، طويلة الأمد ومعها تستمر المعاناة، فلقد عشنا ورأينا ما تتركه مثل هذه الكوارث من آثار سلبية على مجتمع بأكمله، أهمها خلل في الإحساس بالأمن والحياة الطبيعية، فالهتان لغيرنا بشرى ولنا نذير، فعند ظهور أول غيمة تزوغ الأعين وتتسارع دقات القلب وتبدأ مشاعر الخوف والقلق تتلبس الأفراد كمس من عالم آخر، كيف سينعكس ذلك على مشاعر أطفالنا؟ لنتذكر أنها تحديات يئن من ثقلها الكبار فكيف بالصغار؟ هنا يأتي دور الأسرة والمدرسة في التكاتف من أجل تخفيف تفاقم صدمات قد تصيبهم من جراء كل ذلك ويكون لها أثر في نمو الطفل النفسي، راجعت بعض المواقع المختصة فوجدت أفضلها ما قدمته "الرابطة الوطنية لعلماء النفس المدرسي" في الولايات المتحدة، تمنيت لو كان لدينا مواقع عربية ولكن للأسف لم أجد، ربما لأن مثل هذا الموضوع، أي الكوارث الطبيعية والأطفال، حديث على الأقل بالنسبة للمشرق العربي.

نحن نعرف أن الأطفال يتطلعون إلى البالغين بشأن كيفية التعامل والتحكم بردود أفعالهم خاصة بعد انتهاء التهديد المباشر لأي كارثة، هنا يجب أن يتبلور دور أولياء الأمور من آباء وأمهات والمعلمين والمعلمات وغيرهم في مساعدة الأطفال والمراهقين في مواجهة آثار الكارثة من خلال التمسك بالهدوء وطمأنتهم على أنهم سوف يكونون بخير بإذن الله، كما يجب التحرك من قبل الهيئة التعليمية والإرشادية بتنفيذ استراتيجيات فاعلة لمواجهة تساؤلات ومخاوف التلاميذ من الاستماع لهم والتفاعل مع مخاوفهم بتعزيز علاقات التحاور والإصغاء وتأكيد فهمهم التام لهذه المخاوف دون التقليل من أي منها، ومن خلال توفير البيئة المستقرة والمألوفة، ومن خلال مساعدة الأطفال على العودة إلى الأنشطة العادية والروتينية، وقدر الإمكان تحويل الحدث المخيف إلى تجربة تعلم.

إن ردود الفعل لدى الأطفال تختلف حسب عوامل الخطر التي تعرضوا لها، مثل الإصابة الشخصية أو فقدان عزيز، أو تفرق الأسرة في أماكن مختلفة بسبب ضياع منازلهم أو متابعة أحداث الدمار سواء عن قرب أو بعد، هنا قد تحدث تغيرات كبيرة في السلوك، لها أعراض قد تظهر فورا أو بعد فترة من الزمن مما يجب التنبه له، ففي مرحلة ما قبل المدرسة: مص الإبهام، التبول اللاإرادي، الالتصاق غير العادي بالأم أو الأب، اضطرابات في نظام النوم وفقدان الشهية، الخوف من الظلام، الصراخ والتشنج، والابتعاد عن المقربين من الأصدقاء، أما بالنسبة لأطفال المرحلة الابتدائية: التهيج والعدوانية، التعلق الزائد بولي الأمر، كثرة الكوابيس، تجنب المدرسة، ضعف في التركيز، وأيضا الانسحاب من الأنشطة المعتادة والأصدقاء، والمراهقون تحصل لهم اضطرابات في النوم والشهية، انفعالات قد تصل أحيانا للانفجار، ازدياد في النزاعات مع إخوتهم وأقرانهم وكثرة الشكاوى الجسدية، وقد يصل الأمر بالبعض لظهور بعض السلوكيات المنحرفة، وضعف التركيز، حتى إن بعضهم ممن يعاني من مشاكل خطيرة مثل الاكتئاب يكون عرضة لخطر الانتحار لا سمح الله، مرة أخرى، هنا يجب التنبه لأهيمة تقديم المساعدة النفسية لهم.

وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي تحديد وضع كل طفل في المدرسة، أي البقاء على اتصال مع كل تلميذ أو طالب تغيب أو يتغيب باستمرار، والاحتفاظ بسجل تحدد فيه الاحتياجات، خاصة للذين دمرت ممتلكاتهم أو تضررت، ومعرفة أرقام هواتف وعناوين كل طالب نقل أو تعرضت أسرته للإخلاء، وفي نفس الوقت يجب البدء فورا ببناء جسور تواصل مع الجهات المختصة من أجل تأمين المساعدات الطبية، نفسية كانت أم جسدية، وأي مساعدات خاصة بالمسكن والمواصلات خاصة لمن فقد أولياء أمورهم مركباتهم، تشجيع زملائهم لكتابة رسائل ودية تشد من أزرهم وتشعرهم بأنهم ليسوا وحيدين، أو أفضل من ذلك القيام بزيارتهم أو الاتصال بهم هاتفيا، ووضع لجنة استشارية من الطلاب أنفسهم تقوم على تقديم تقرير إلى إدارة المدرسة حول ما هي الإجراءات التي يمكن من خلالها تقديم المساعدات لزملائهم المتضررين، وقبل كل ذلك الاستماع إلى التلاميذ والطلبة ومراقبة أي تغيرات في سلوكهم، ولا ننسى هنا تكثيف الأنشطة المدرسية اللامنهجية مثل مواد الفنون الجميلة كالخطابة والرسم والدراما لمساعدتهم على التعبير عن عواطفهم، إنها مجهودات إضافية وقد يستغرق الأمر وقتا طويلا ولكن هذا بالضبط ما يحتاجه الأطفال من أجل الفهم والتكيف مع الكوارث، وعليه فمن الطبيعي أن يناقش الحدث مرارا وتكرارا وبأساليب مختلفة لكي يتوصل الجميع إلى طرقهم الخاصة في خلق استراتيجياتهم لكيفية التعامل مع الحدث، إنهم أبناؤنا ويستحقون منا كل مجهود إضافي، ونحن بخير بإذنه تعالى طالما كنا يدا واحدة في مواجهة الكوارث، وتعاونا بالتوعية والمشاركة بالموارد العينية والمعنوية والمعلومات الهامة البناءة، أي القادر منا في خدمة الضعيف.