عادت كارثة جدة، وعاد معها نوع من أنواع الحساسية المزمن والموسمي كذلك والذي يصاب به عدد من المحتسبين تزامنا مع هذه الكارثة، وهو "الاختلاط"، فظهرت جموع المحتسبين الفوج بعد الآخر وقائدهم يقول: عليكم بجدة، ولا ريب ولا تثريب عليهم، فجدة الآن ولوقت محدد ساحة من ساحات الجهاد يجب أن تستثمر، لذلك تعالت صيحات المحتسبين من كل مكان "حي على الجهاد" قبل أن تلملم جدة جراحها، لكنني أتمنى ألا يتكاثر المحتسبون ويتزاحموا إلى هذه الدرجة التي نشاهدها في المواقع الإلكترونية والرسائل النصية، وأتمنى من وفود المحتسبين "بارك الله فيهم" النزول إلى شوارع جدة وأنفاقها ومستنقعاتها الموحلة، وعدم استخدام تقنيات الجهاد عن بعد حتى يتسنى لهم معاينة الحقيقة، ومشاهدة الاختلاط الحاصل هناك على طبيعته، واستخدام أقوى أساليب تغيير المنكر "باليد" أو الأقوى من اليد والذي ابتكرناه نحن وهو "السكاكين". ولا تخشوا من الفضيحة بسبب تلصص الكاميرات أو الهواتف الذكية، فمهما نشروا من صور فلن يتحرك ساكن أبدا.. فلا توجد فضيحة "بجلاجل" تشابه فضيحة ما حدث في جدة، ورغم ذلك لم يرف جفن لأحد ممن تسببوا فيما حدث، ولتكن لكم في رجال الدفاع المدني قدوة.. فما يقومون به مشابه جدا لما يقوم به شباب وفتيات جدة الذين لم يتلقوا تدريبا من قبل مع فارق بسيط أن شباب جدا يقومون بعمل تطوعي دافعه حب وإنسانية، ولولا الاختلاط الذي يقترفونه أثناء عمليات الإنقاذ التطوعي وخوفي من غضب المحتسبين لقلت بكل فخر إن شباب وفتيات جدة هم مفخرة شبابنا السعودي وقدوته من الجنسين، وهم وسام شرف يقلد على صدر الوطن.

جدة جزء غال من هذا الوطن الكبير ونحبه هو وأهله وتراثه وتنوعه ونعشق كل ما فيه من بساطة وعفوية "شاء من شاء وأبى من أبى" وإن كنا ندّعي التقدم والحضارة في بعض المناطق فإن ما يحدث الآن في جدة يعيدنا إلى الوراء عشرات السنوات، أما بالعودة إلى إخواننا المحتسبين فإن فاتتكم جدة فهناك ساحات جهاد ضد الاختلاط محتملة في مثل هذا الموسم من السنوات القادمة.. فكلنا ربما سائرون على درب جدة.