بقدر ما كان مصاب جدة محزنا ومؤلما ومستعصيا على الفهم، فإنه غير قابل للتبرير. فمنذ بداية موسم الأمطار، ظهر باديا للعيان افتقار شوارع جدة لأية تجهيزات لمواجهة كارثة محتملة. فعلى الرغم من حصول الكارثة الأولى، فقد كان التفاعل الميداني الناتج عن التجربة المؤلمة الأولى أدنى من المتوقع والمطلوب. مصاب جدة في الكارثة الأولى كان سببه فيضان مجاري سيول شرق جدة، ولكن الكارثة الثانية أثبتت أن كل جدة معرضة للغرق. الفرق بين الكارثتين يكمن في انخفاض عدد الضحايا من الوفيات، ولكن الفضل في ذلك يعزى في مجمله إلى الهلع والخوف الذي استحوذ على سكان جدة، ما دفعهم غريزيا إلى الاحتياط. أما فيما يخص إدارة الأزمة، فقد تبين افتقار كثير من الأجهزة للتنسيق وغياب خطط الطوارئ عن مكاتبها أو حتى أدراجها، فكانت جهودها ردود أفعال ليس إلا.

بالنسبة للجهات المسؤولة عن وقوع الأزمة الأولى، فقد أتيح لها الوقت الكافي لتعديل أوضاع الشوارع ورفع كفاءة تصريف المياه بنسبة تكفل منع وقوع الكارثة. ولكن هذه الجهات لم ترغب في التعلم والتفاعل مع نتائج الكارثة الأولى، أو كما عودتنا هذه الجهات "المسؤولة" فإنها بدأت في دراسات مستفيضة حول أسباب الكارثة والحلول، ولكن دون الوصول إلى نهاية فعلية لهذه الدراسات. وحتى لو أن بعض هذه الدراسات قد انتهى بالفعل إلى بعض النتائج والحلول "الواضحة" وضوح الشمس، فإن عمليات التنفيذ تاهت في أروقة هذه الجهات المختلفة. محاسبة المقصرين والمتسببين في شلل مدينة جدة وتحميل كل شخص مسؤوليته الكاملة مهم وضروري، ولكننا بحاجة إلى أكثر من ذلك. فهناك فشل واضح في تقديم وتنفيذ الحلول.

الثقل في حركة الإدارات المسؤولة عن كارثة جدة الجديدة يمتد إلى مشاكل أخرى كثيرة تمس صميم حياة المواطن اليومية. فكلما جاء مدير أو وزير جديد، قام بإعادة التحقيق في المشاكل التي يواجهها ودراسة الحلول التي سيقوم لاحقا بتنفيذها. وما إن يشرع المدير الجديد في الإقدام على تنفيذ خططه، فإنه لا يلبث أن يكتشف أن دراساته المستفيضة باتت بالية قديمة، وبالتالي فإن حلوله لن تتمكن من معالجة الوضع المستجد. نحن اليوم نواجه مشكلات سريعة التقلب والتغير. فنصف سكاننا من الشباب؛ الأمر الذي يزيد من الطلب على الوظائف والمساكن. والتضخم المستورد مع وارداتنا من الأغذية مرشح للارتفاع بشكل غير مسبوق. مواجهة هذه التحديات بنفس طريقة مواجهتنا لأمطار جدة ستؤدي حتما إلى كوارث أشد حدة.