حين حل عام 1960م، وأسس مجلة الجزيرة (تحولت إلى جريدة فيما بعد)، لم يكن الشيخ عبدالله بن خميس يدرك أنه بعد 50 عاما سيتوج ضمن قائمة أهم رواد الصحافة السعودية. والليلة حين يكرم في منتدى بامحسون الثقافي تحت رعاية وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة، الأديب الشيخ عبدالله بن خميس بمركز الملك فهد الثقافي بحضور أكثر من 500 شخصية سيقف الشيخ والأديب ابن خميس على رامة من الوفاء والعرفان للرواد في تكريم ليس بالأول ولكنه مستحق لرجل يمثل نموذجا مضيئا من رجالات التأسيس لتنوير مازال يغذ الخطى.
ولد ابن خميس عام 1339هـ - 1919م بقرية الملقى وهي إحدى قرى الدرعية ( بمنطقة الرياض )وفي سن الطفولة انتقلت أسرته إلى الدرعية وبها تعلم مبادئ القراءة والكتابة ولازم والده الذي كان على جانب لا بأس به من العلم خصوصا في التاريخ والأدب الحديث، وكان يعمل في زراعة النخيل , ومع ذلك لم تشغله المزرعة عن الاستفادة من والده وغيره ، فقرأ كثيرا من كتب التاريخ والأدب والشريعة , وحفظ أجزاء من كتاب الله الكريم , ثم أدركته حرفة الأدب فانكب على دراسة أمهات كتبه وبدأ في نظم الشعر وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره .
في عام 1364هـ - 1944م حينما أنشئت مدرسة دار التوحيد بالطائف التحق بها فبرز في الفنون التي سبق له الدراسة فيها وشارك مشاركة جيدة في الفنون الأخرى ، لذلك كان رئيس النادي الأدبي في دار التوحيد مدة دراسته بها , وبعد أن نال شهادة الدار الثانوية عام 1369هـ - 1949م التحق بكليتي الشريعة واللغة بمكة المكرمة, وبرز نشاطه الأدبي شعرا ونثرا على صفحات الصحف والمجلات ولمع اسمه هناك حتى نال شهادة من الكليتين في عام 1373هـ - 1953م.
تلك حكاية مختصرة لابن خميس، غير أن ابنته الروائية أميمة الخميس، تمتلك سردا آخر للحكاية . ستتساءل أميمة الليلة: هل تريدون أن تنصتوا لفصل من حكاية رجل يصنع ملحمته ومن ثم يعيشها؟ أو بعض من تفاصيل رجل استطاع أن يزيل البرزخ القائم بين الحلم وركاكة الواقع ليسير به حتى مشارف مدن مسورة بمادة الأسطورة, محققا بهذا كل شروط القصيدة الكلاسيكية والشاعر الفارس الذي يرصف قصائدة بمادة النبل وأخلاقيات الفطرة الصحراوية؟
أي من النوافذ هنا سأشرعها لكم باتجاه إطلالة قد توجز المشهد لكن قد تتفلت منها تفاصيله .
لربما اختار نجم سعدي أن أكون مطوقة بهذا المناخ, وهذه الفضاءات, أن أولد وحولي على مرمى النظر أحرف ومفردات, ويتبرعم الوعي على الجدران التي ترصف فيها الكتب من الأرض حتى السقف , ونكهة الأمسيات التي كان يقضيها أبي وأمي تحت شجرة ياسمين في الحديقة المنزلية , وهما منهمكان في مراجعة كتاب , حيث والدي يقرأ وأمي تدون, أو أبي يقرا وأمي تراجع, وفي المستودعات الخلفية للمنزل تعبق رائحة الورق بقوة، حيث مؤلفات الوالد, وأعداد جريدة الجزيرة (عندما كانت مجلة), من جميع هذا تتشرب أصابعي القداسة والتقدير للفعل (كتب). في المنزل حيث كان المتنبي, يشارك أبي تربيتنا فيهدر الوالد أطال الله في عمره بأبيات للمتنبي أحيانا معنفا :
إن أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
وأحيانا عاتبا فيقول:
لكل امرئ من دهره ما تعودا ... وعادة سيف الدولة الطعن في العدا
أو مستحثا للهمم:
لولا المشقة لساد الناس كلهم ... فالجود يفقر والإقدام قتال.
وإذا كان ابن خميس رمزا وعلما في صفحات الكتابة والأدب السعودي ، فهو أيضا ينزع إلى الهم القومي الذي نادرا ما انفك عن الاهتمام به أديب عربي، تقول أميمة: اغترفت فلسطين سنين من عمره ومازال الوجع العربي يعاوده كشجن لا شفاء منه, فداحة الظلم كانت تستنهض كل نخوته اليعربية , المأساة التي التهمت أعمار أجيال عربية كاملة, القضية التي تخالط سنينهم فتقصي عنها السكينة والطمأنينة. ألهبت هذه القضية وجدانه فلم يكتف بأن يقولبها بقصيدة, ويتخلص من جيشانها وحرقتها بأعماقه, ولكنه انتقل بها إلى العمل الميداني ليصبح نائبا للجنة الشعبية لرعاية أسر ومجاهدي فلسطين. وبين علم فلسطين الذي يلتهب في مكتبته وشارع في مدينة غزة سمي بشارع عبدالله بن خميس سيكون بين هذا وذاك تلك الفتاة الكنعانية ذات الجذور اليافاوية التي اقترن بها وأنجبت له عددا من أبنائه.
بينما يقول ابن خميس لـ"الوطن" بمناسبة التكريم: نحمد الله أن جير لهذه الأمة من رجالاتها , من يعنى بالأدب والفكر وينزلهما المنزلة المستحقة, ويكرم من أعطى وبذل في هذا الميدان , وقدم عصارة فكره ودفق قلمه عبر سنين طوال في سبيل رفعة شأنها وعلو مكانتها. والدكتور عمر بامحسون سواء عبر منتداه الثقافي أو عبر تكريمه لشخصي إنما يعكس نموذجا نبيلا وحسنا لشجرة طيبة من هذا الوطن, تفيء بظلالها على دروبه ومسالكه, ولن نغفل حقه من الثناء هو وعدد من أصحاب المنتديات الثقافية الذين أشرعوا منازلهم وصدروهم لاحتضان الأنشطة الفكرية والثقافية التي تسهم في إثراء الأدب والفكر والعناية بحقوله وري أشجاره ورموزه.
الليلة سيتحدث عدد من المحتفين بدءا من من صاحب المنتدى الدكتور عمر عبدالله بامحسون و راعي المنتدى عبدالله باحمدان، إضافة إلى أوراق بحثية حيث تتناول هيا السمهري (ابن خميس حياته المبكرة)، والدكتور محمد الربيع (ابن خميس أديباً) والدكتور عبدالرحمن الشبيلي (ابن خميس إعلاميا) والدكتور عبدالعزيز الخويطر.
ابن خميس في سطور
• صدر مرسوم ملكي بتعيينه وكيلا لوزارة المواصلات في السعودية عام 1961.
• عين رئيسا لمصلحة المياه بالرياض عام 1966.
• قدم طلبا للإحالة للتقاعد للتفرغ للبحث والتأليف في عام 1972.
• عضو في: مجمع اللغة العربية بدمشق - مجمع اللغة العربية بالقاهرة - المجمع العلمي العراقي - مجلس الإعلام الأعلى - مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز - مجلس إدارة المجلة العربية - مجلس إدارة مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر - جمعية البر بالرياض.
• أول رئيس للنادي الأدبي بالرياض.
• نائب لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز في اللجنة الشعبية لرعاية أسر ومجاهدي فلسطين.
• حاز على جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1982.
• منح وشاح الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى في الشخصية الثقافية المكرمة في مهرجان الجنادرية السابع عشر عام 2002.
• حصل على وسام تكريم وميدالية من مجلس التعاون الخليجي في مسقط عام 1989.
• نال وشاح فتح وميدالية من منظمة التحرير الفلسطينية، ووسام الشرف الفرنسي من درجة فارس قلده إياه الرئيس الفرنسي (فرانسوا ميتران)، ووسام الثقافة من تونس، قلده إياه الرئيس الحبيب بورقيبة، وشهادة تكريم من البحرين عام 1987.
• أثرى المكتبة العربية بعشرات الكتب في الأدب والشعر والنقد والتراث والرحلات.