أخيرا وبعد طول تردد ولعب بأعصاب الطلاب والطالبات؛ وتلويح بالإضراب عن الحضور، قررت إدارة جامعة الملك عبدالعزيز أن تنزل من عليائها وتتفضل بتعليق الاختبارات حتى بداية الفصل الثاني نظرا لصعوبة الوصول للجامعة! ولكن هذا التعليق حصريا لطلبة الانتظام، أما طلبة الانتساب – رغم كثرة أعدادهم- وطلبة الدراسات العليا، فعليهم أن يبحثوا عن وسائل مواصلات خارقة للعادة؛ تستطيع – بقدرة قادر- إيصالهم للجامعة المنكوبة! وكأن عودة الجامعة لاستئناف اختبارات طلبة الانتساب والدراسات العليا كفيلة بالتغطية على تداعيات ما بعد الكارثة؛ وعلى هشاشة المباني وهزال بنية الجامعة التحتية ناهيك عن بعض المباني الآيلة للسقوط! مع تواتر أنباء عن احتمالات عاصفة مطر يوم الاثنين القادم على مدينة جدة، ولكن الجامعة قررت أن تضع أذنا من طين وأخرى من عجين .. وكله في السليم ويا دار ما دخلك شر؛ وكلها كم حالة انهيار عصبي على كم حالة إغماء.. على إجهاضات لنساء حوامل، إلى أخبار تواترت عن فتاة فقدت عينها خلال حدث الأربعاء الماضي الجلل؛ وأخرى اصطدمت بالرصيف ثم نزفت، إلى مئات ظللن يرتجفن بردا وهلعا وخوفا، ينتقلن من مبنى محترق إلى آخر أصابه تماس كهربائي في ظل غياب كامل للمسؤولات!! في كواليس جامعة الملك عبدالعزيز بشطر السيدات وبعيدا عن التعتيم وتزييف الأخبار هناك العشرات من القصص المؤلمة والمخجلة؛ والتي يشيب لها الوالدان عما حدث إبان الكارثة المأساوية، بينما كان هناك إصرار مستفز على استئناف الاختبارات - حتى يوم أمس-؛ واستهانة بمشاعر ومعاناة الطالبات والموظفات اللواتي واجهن خطر الموت في تلك الساعات العصيبة! كتبت لي شاهدة عيان من إحدى موظفات الجامعة تتحدث عن ساعات الرعب والفزع ..ساعات مرت عليهن وكأنها سنوات طويلة وهن يكابدن مصيرا مجهولا .. لا يعرفن أين تقودهن أقدارهن، في غياب كامل لخطة لإدارة الأزمات، رغم طبول التحذيرات المقروعة قبل أيام من الأربعاء الأسود الثاني! تتساءل شاهدة العيان عن المسؤولات وصاحبات المناصب والمراكز ومديرات الأقسام؟! ثم تواصل حديثها قائلة : أخيرا ظهرت موظفة صغيرة أراها لأول مرة؛ قالت الوضع سيئ أوقفن الاختبار! ثم انطفأت الكهرباء .. ذهبنا إلى المبنى المجاور و المياه تسيل تحت أقدامنا علّه يكون أفضل لأن المبنى جديد، وما هي إلا دقائق حتى تنطفئ الكهرباء أيضا .. مكتب الرئيسة مغلق و السكرتيرة أيضا، ليس هناك أية مسؤولة، ليس هناك أية تعليمات بالإخلاء!! ثم تكمل قصة خروجها بصعوبة فائقة إلى بيت زميلة حيث بقيت إلى ظهر اليوم التالي، وتعود للقول: تجربتي مع الخوف والرعب والقهر كانت بسيطة بالنسبة للتجارب الأخرى المريرة حيث أخليت بعض الطالبات إلى مستشفى الجامعة وسكن الطالبات، بينما خرجت كثيرات منهن في سيارتهن التي تعطلت في الشوارع؛ و ذهبن إلى المولات المجاورة و الدكاكين و معارض السيارات وأي مكان يؤويهن .. بناتنا وأخواتنا في الشوارع، مبللات مرتعشات خائفات مذعورات سابحات في الطرقات والأزقة!

أتساءل عبر هذا المنبر لماذا لا يتم التحقيق في ما جرى في الجامعة، وهذا الاستهتار المفزع بحياة الطالبات والموظفات، لماذا لم تعلق الدراسة من الأساس في الجامعة؟! لنبدأ بمحاسبة المسؤولين وإلا فالمزيد من الكوارث في انتظارنا!