برز اسم المفكر التونسي وأستاذ كرسي اليونكسو لعلم الأديان المقارن بتونس الدكتور محمد الحداد، بعد أحداث "ثورة الياسمين"، فهو من المفكرين المهمين على مستوى العالم العربي، إذ هو "مفكر نهضة" ينطلق من إرث التنوير العربي الذي لم يكتب له الاكتمال حتى الآن، بل إنه حصل على شهادته في الدكتوراه من السوربون في ذات الموضوع بإشراف المفكر الراحل محمد أركون، وألف الحداد "محمد عبده قراءة جديدة في خطاب الإصلاح الديني"، "الأفغاني دراسة ووثائق"، "ديانة الضمير الفردي"، "الإسلام نزوات العنف وإستراتيجيات الإصلاح"، "البركان الهائل"، "مواقف من أجل التنوير"، و"قواعد التنوير". وقدم أخيراً لكتاب"من قبضة بن علي إلى ثورة الياسمين" وهو كتاب حركات الإسلام السياسي في تونس.

يرى الحداد أن الإسلام كان أكثر الأديان اهتماماً بالأديان الأخرى، وهو ما نلمسه في آيات القرآن الكريم، وقد كانت دراسة الأديان والطوائف موضع اهتمام بعض فلاسفة وعلماء الدين المسلمين القدامى كالبيروني وابن سينا وغيرهما، ولكن المسلمين اليوم هم الأكثر تخلفاً في هذا المجال، ويشير إلى صعوبة تناول أي موضوع ديني بتجرد عن القدسية والحساسيات في العالم العربي، معتبراً الأجواء ملبدة في هذا المضمار.

يعتبر الحداد أن المفاهيم المعاصرة مثل العلمانية والليبرالية قُدمت بأقلام خصومها "الإسلامويين"، وأن موجة الأصولية العارمة التي تجتاح العالم ليست مقصورة على الإسلاميين، فحتى إسرائيل تعيش هذا الاجتياح من قبل طوائف يهودية دينية متشددة. أما تحليلاته لـ"ثورة الياسمين" فصارت مرجعاً للصحافيين والباحثين، فهو يرى أن العامل الأهم في ثورة الياسمين كان وجود شباب واعٍ يتعاطى مع قضايا العصر بذكاء واتقاد وبأساليب حديثة، مجرداً من الإيديولوجيات، مسلحاً بالحرية، فهو لا يعرف كارل ماركس ولا سيد قطب، بل يعرف Facebook والشبكات الاجتماعية التي تعلم منها الحرية ومارسها. وعندما تسأله عن "تويتر"، يجيب: لا تسألوا عنه لأنه كان محجوباً أيام بن علي!

كما يتحدث عن مستقبل تونس بعد الثورة ويعتبر أن التوانسة أمام ثلاثة خيارات: إما أن تستقيل الحكومة كاملة ويتم تغييرها جذريا، وإما الاحتفاظ بها كحكومة تسيير أعمال، وإما استقالة خمسة من المحسوبين على النظام البائد وإحلال بدلاء من المعارضة والنقابيين، مؤكداً ضرورة الإبقاء على خبراء الاقتصاد والعارفين للاتفاقيات الدولية، أما عن إمكانية إقامة انتخابات حالية قال الحداد إن الهم الأول الآن أن تقوم حكومة بتعديل القانون الانتخابي بعد حل البرلمان الذي يمثل الورقة الأخيرة في يد الحزب الحاكم السابق، ولكن الأولية الآن هي حكومة لتصريف الأعمال.

هذا التونسي الآتي من وطن "الصبار والياسمين"، كما يحب هو أن يطلق على الثورة في تونس، لأنها جاءت من كل أنحاء البلاد، يحاول أن ينشر رؤيته العلمانية التي لا تعارض الإسلام ولا تختلف مع الإسلام بل تخدمه، لهذا صارت كتبه وتحليلاته من أهم الكتب التي تنشر النور في فضاء عالمنا العربي المثقل بالتقاليد والعادات والاستبداد، بل إني سألته عن استغراب زميلنا نواف القديمي من أن الحداد ينظر لعلمانية صرفة لكنه لمّا حج اتبع الأحوط وابتعد عن الأيسر، فقال: هذا لُب العلمانية، فالشأن العام مفصول عن الشأن الخاص، وهذا شأني الخاص، أتخذ فيه ما أراه مناسباً لي!