اعتدنا في نهاية كل عام على رصد أبرز الأحداث المؤثرة على المنطقة والعالم، لكنني هذه المرة سوف أعكس التاريخ وأبدأ من أبرز الأحداث التي عصفت بالمنطقة خلال شهر من دخول العام الجديد! وهو ما يجعلني أتصور أن هذا العام استثنائي على المنطقة بكل المقاييس.
فقد دخل عام 2011 على المنطقة العربية بشكل غير معتاد وبأحداث متلاحقة عجزت قنوات الأخبار عن ملاحقتها بشكل كامل وتغطيتها من جوانبها المتعددة وزواياها المختلفة فبقيت الصورة غير مكتملة الملامح في معظم الأحداث الكبرى التي مرت علينا في الشهر الأول من هذا العام، فأحداث تونس طغت بشكل كبير على استفتاء الجنوب الذي سيفصل دولة عربية إلى قسمين، لن نستطيع أن نقول عنهما دولتين عربيتين وهي السودان التي ذهبت تغطيتها مع رياح طائرة ابن علي، وأحداث تونس التي شغلت الشارع العربي على مدى عشرة أيام تخطف لبنان منها الضوء في مشهد يكرس الطائفية وحظوظها على الدولة والوطن والأطماع الخارجية اللاعبة في البقعة الأصغر، لبسط نفوذها عبر حلفائها من تمدد لم يعد يخفى على أحد. ولعل الأمر الأكثر وضوحا أن لبنان يعاني ويخسر كل يوم عشرات الملايين من الدولارات بسبب الوضع السياسي المتدهور ولاسيما أنه بلد يعيش على السياحة بالدرجة الأولى.
حتى طائفية لبنان وإشكالياته السياسية المدوية لم تمنع الجزيرة من خطف الأضواء من خلال الوثائق المسربة التي حصلت عليها فيما يتعلق بالقدس واللاجئين واستقطبت بذلك أنظار العالم.
وما هي العصا السحرية التي أشعل بها البوعزيزي النار في الشارع التونسي ومن ثم الشارع العربي من المحيط إلى الخليج... في الجزائر والأردن ومصر؟ مظاهرات واحتجاجات ما تزال تغلي على نار هادئة سرعان ما تفور لتحرق ما حولها.
هذا على مستوى الدول والساسة، فماذا عن الوضع المعيشي للمواطن العربي في عام 2011 حيث كان المواطن العربي البسيط أول المتضررين من الأزمة المالية من خلال غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وانهيارات سوق المال! لكن ماذا عن التفاؤل الذي يقوله الاقتصاديون من أن العام الجديد هو بداية تعافي الأزمة عالميا؟
يقول خالد أبو إسماعيل، مستشار الحد من الفقر والسياسة الاقتصادية في مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الإقليمي بالقاهرة في حديث لـ" سي إن إن": لقد أنجزنا تقريراً خاصاً حول الدول العربية ووضعها بالنسبة لتطبيق أهداف الألفية والأزمات المتلاحقة التي مرت بها المنطقة والعالم، لأننا واجهنا في الواقع أكثر من أزمة. وخلص التقرير إلى أن تأثير أزمة الغذاء والوقود على الفقراء كان أكبر من تأثير الأزمة المالية. ويضيف: مصر كانت تدعم القمح وعددا من المواد الغذائية الأخرى، وارتفاع الأسعار مع إنهاء الدعم يزيد من نسب الفقر، وقد أثبتت الدراسات التي عملنا عليها أن أثر ارتفاع أسعار الغذاء والوقود على الفقر هو مباشر، أما الأزمة المالية فهي تتفاوت من حيث التأثير بحسب اندماج الدول العربية بالنظام المالي العالمي، لذلك نرى أن الأثر الأكبر للأزمة المالية في المنطقة ظهر بدول الخليج التي تضررت صناديقها السيادية وأسواق المال فيها.
لدى كثير من الدول العربية مشاكل كبيرة تتعلق بالبطالة والفقر واتساع الطبقية في دول الخليج مما يعني تلاشي الطبقة الوسطى على حساب الطبقة الفقيرة!
كل هذه العوامل تجعلنا لا يمكن أن نتنبأ بما يمكن أن يحدث في هذا العام للمنطقة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وإذا كانت تونس الثائرة على ابن علي تصنف على أنها من أفضل الدول التي تكافح الفقر ولديها برامج محددة في هذا المجال تجعلها في مصاف دول الخليج في برامجها ومع ذلك خرج الشباب محتجين؟!
الشباب الجامعي الذي لم يجد وظائف برغم تعليمه العالي، كان هو وقود الحريق الذي اشتعل في الأجساد، الخبز ليس وحده ما يحقق الثورة.
البطالة للشباب هي المعادلة الصعبة التي يجب معالجتها جنباً إلى جنب مع معالجة الفقر. لقد فوتت تونس معالجة البطالة فثار الشعب على حكامه. والبطالة اليوم هي أحد أكبر الأخطار التي تهدد الاستقرار في المنطقة العربية، حيث بلغت نسبتها في 2009 بحسبما ذكره مدير عام منظمة العمل العربي أحمد لقمان 14% ، وهو رقم كبير يشكل وقوداً ضخماً ليس لثورات وإنما لعصابات تهدد أمن الدول وتعيش على عدم استقرارها.