من يراقب قسمات وجه رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار الأمير سلطان بن سلمان عندما يتحدث عن آثار المملكة، يدرك مدى الحزن والأمل الذي يحمله بصفته المسؤول الأول عن هذا الملف الثقافي والاقتصادي الهام.

فالحزن على ما طال الكثير من آثار المملكة العمرانية عبّر عنه بشكل صريح في المؤتمر الصحفي الذي عقده الأسبوع المنصرم للحديث عن "المؤتمر الدولي الأول للتراث العمراني في الدول الإسلامية" الذي ينطلق اليوم في الرياض، عندما قال "إن التراث العمراني في المملكة تعرض لكثير من التجاوزات في التعامل معه". لكن الأمير بث الأمل في أن الهيئة ستحاول إنقاذ ما تبقى من هذا التراث النفيس حين قال "إن العناية بالتراث العمراني انتقلت بالمباني التراثية من كونها آيلة للإزالة إلى كونها ثروة آيلة للنمو والاستثمار، فالهيئة كانت تحارب لإيقاف عمليات الإزالة والهدم حتى تم تنمية الوعي العام بحيث لم ترصد عام 2009 أي موقع تراثي تعرض للهدم أو التعدي".

ينطلق "المؤتمر الدولي الأول للتراث العمراني في الدول الإسلامية" وسط حضور دولي كبير حيث ستشارك 56 دولة، يشارك ممثلوها في فعاليات تمتد لمدة أسبوع كامل وتقام بالتزامن معه، فعاليات مصاحبة في عدد مدن المملكة.

وبنظرة سريعة لواقع بعض مواقع التراث العمراني في المملكة، لا يمكن إنكار أن العبث والاجتثاث أو الإهمال طال الكثير منها. ولكن المثير أن بعض أعمال الترميم العشوائي التي اجتهد فيه مواطنون، أصبحت تشويها ربما غير مقصود، يتطلب تدخل الجهات ذات العلاقة مثل أمانات المناطق بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والآثار. يقول الدكتور عدنان عدس (صاحب إحدى أهم التجارب المحلية في الترميم بجدة): واقعنا يؤكد أن هناك ندرة شديدة في الخبراء أو حتى المهتمين بترميم الآثار، لا على المستوى العام المؤسسي ولا على مستوى الأفراد فحسب, وحتى في ظل وجود قسم للآثار في جامعة الملك سعود بالرياض، فإنه لم يوجد حتى الآن كما أعلم قسم يختص بعلم الترميم، الذي يجمع بين عمل المهندسين المعماريين والمتخصصين في الآثار، فهذا العلم يعتمد على التكامل العلمي بين المهندس والآثاري، وهنا لا بد من تدريب مشترك للطرفين للعمل كفريق واحد وفق أحد الطرق العلمية.

وعن رؤيته لإحداث هذا التكامل يرى عدس أن الحل في "تأصيل مفاهيم العمارة التراثية في كليات العمارة بالجامعات السعودية، لأنها الجهة التي يمكن أن تدرب وتؤهل مرممي الآثار بشكل صحيح, خصوصاً أن لدينا كماً هائلاً من الآثار التي إن لم ترمم ستندثر، وتندثر معها كنوز هائلة من الحضارة الإنسانية التي مرت على وطننا.

ويشير عدس الذي عمل برفقة عدد من الخبراء الفرنسيين ضمن مشروع لأمانة جدة لإعادة تأهيل المباني التاريخية على ترميم ستة مبانٍ أثرية في جدة، إلى نقطة تبدو مهمة لنشر ثقافة ترميم الآثار في المجتمع، إذ يرى أن "الحل يمكن في مشروعات ترميم كبيرة، تكون أمثلة حية أمام المواطن العادي، فهو لن يقتنع بأي فكرة إلاّ إذا عاشها, ولمس نتائجها على حياته اليومية، وهنا ستترسخ الفكرة لديه، فالتنظير فقط لن يعطي أية نتيجة حقيقية".

ومن خلال اطلاع ميداني واهتمام شخصي بالآثار والتراث العمراني بشكل خاص يقول رئيس نادي أبها الأدبي أنور آل خليل: "لكل منطقة من مناطق المملكة مخزون تراثي عمراني عميق، فمثلاً جنوب المملكة يتمتع بإرث تشبّع بفنون العمارة بقسميه الحجري والطيني، إلاّ أن هذا الإرث أخذ في التراجع بسبب استبداله بطرز معمارية حديثة، مما جعله يصارع الإهمال وعوامل التعرية حتى بات في عداد العبء على المشهد العام، نظراً للإهمال الذي يعاني منه، فالمالك لما تبقى غير قادر على صيانته والمحافظة عليه، إما لارتفاع أسعار الترميم أو لندرة اليد العاملة الماهرة التي يمكنها التعامل مع العمارة التقليدية بمهارة وتعيد لها رونقها وشبابها".

ويعزو آل خليل ذلك إلى "عدم اهتمام الجهات ذات العلاقة بهذا الإرث، وفي مقدمتها أمانات المدن والمناطق التي لم تراع في هيكلها الإداري والفني استحداث قسم للاهتمام بالتراث المعماري، فالواجب على هذه الجهات أن تكون عوناً للملاّك ليتمكنوا من صيانة وترميم هذه الطرز المعمارية". ويطرح آل خليل فكرة جوائز للتحفيز حيث يقول "لو استحدثت كل منطقة من مناطق المملكة جوائز لمن يتمكن من الحفاظ على ما يملكه من بيوت أو قصور قديمة وصيانته، لرأينا نتائج ملموسة في هذا المجال".

وبصفته مهتماً بالتراث قام آل خليل بتوثيق بعض أشكال "تشويه" التراث المعماري بالصور وعلق على ذلك بالقول: "حقيقة ساءتني وغيري الحالة التي آلت إليها تلكم العمارة، فالصورة المرفقة لبعض أساليب الترميم، تجعل الإنسان يشعر بالحزن لما آل إليه ذلك الفكر المعماري الذي ساد لقرون ثم سُلّم في نهايته إلى عمالة، كست ذلكم التراث المعماري بغطاء حديدي (هنجر) وما كان لملاكه أن يرضوا بذلك المشهد والترميم البائس لو أنهم وجدوا العون لابتكار أساليب متطورة لصيانتها، هذا إضافة إلى أن من أهم العوامل التي تفقدنا هذا الإرث سهولة إزالته عندما يشاء صاحب الملك ذلك، وهذه جناية أخرى، ففي الغرب لا يمكن لصاحب بناء أثري أن يزيله أو حتى يرممه إلاّ بإشراف مباشر من الجهات المختصة".