الأهداف الحقيقية من وراء حديثي عن الشذوذ والتطرف في الظواهر الطبيعية، لم يكن في يوم من الأيام بغرض بث الرعب والخوف في قلوب الناس، كما يتهمني الكثير بذلك، فمنذ حوالي عشر سنوات خلت وأنا أتحدث عن التطرف المناخي العالمي وانعكاساته السلبية على المناخ في جزيرة العرب، وقد استقيت جميع معلوماتي فيما يتعلق بالتطرف المناخي من معاهد علمية متخصصة مثل معهد أبحاث التغير المناخي الياباني، ومركز دراسة علوم المناخ والمحيطات الهندي، وجامعة طوكيو قسم العلوم الفيزيائية لعلوم الأرض والكواكب، ومما يجدر ذكره أنه لهذه المعاهد الثلاثة يعود الفضل في اكتشاف الظاهرة المناخية المعروفة باسم الثنائية القطبية للمحيط الهندي التي تعنى بدراسة التغيرات والشذوذ في سلوك حرارة المياه السطحية لكل من المحيط الهندي وبحر العرب.

من هذه المقدمة البسيطة أردت أن أوضح أن ما سأذكره عن زلزال الشام المرتقب، ليس أمرا عبثيا، إنما هو أمر قائم على حقائق علمية ثابتة تناقش الآن في أعتى المعاهد العلمية، والأمر ليس ضربا من التهويل والتخويف وبث الرعب في صدور الناس، فالزلزال المدمر المرتقب ما هو إلا سلسلة متعاقبة من الزلازل تحدث في دورات محددة تحدث كل أربعمئة عام تتخللها هزات من الزلازل الصغيرة والمتوسطة، وقبل الخوض في حدوث الزلزال المدمر المرتقب لا بد من توضيح بعض الحقائق الجيولوجية عن كوكب الأرض، والتي بدونها لا يمكن للقارئ فهم وإدراك ميكانيكية حدوث هذا الزلزال المرتقب.

تسبب الانصهار الذي حدث في المراحل الأولى من تكوين الأرض في غوص العناصر الثقيلة إلى باطن الأرض ومنها في الدرجة الأولى عنصر الحديد والنيكل، بينما طفت إلى السطح العناصر الأقل وزنا، هذا الاختلاف والتمايز في التركيب الكيميائي، تسبب في عدم تجانس مكونات باطن الأرض، فلب (جوف) الأرض الذي يمثل الغلاف الداخلي للأرض عبارة عن كتلة من الصهير تتكون من الحديد والقليل من النيكل, أما المنطقة الخارجية التي تلي لب الأرض فتعرف بالوشاح Mantle وتمثل الغلاف المتوسط للأرض هو أقل كثافة من اللب ويتكون من مادة السليكا، هو أشبه بالقطران الساخن أي أنه لدن ويزيد سمكه على 700 كيلو متر، الغلاف الأخير هو الغلاف الصخري Lithosphere وهو يتكون من جزأين، الجزء الأول يعرف بالقشرة القارية التي تكون سطح الأرض وما عليها من جبال وهضاب وأودية...الخ ويتراوح سمكها ما بين 30-70 كلم، الجزء الثاني يعرف بالقشرة المحيطة، وهذه القشرة تمثل قيعان البحار والمحيطات ويتراوح سمكها ما بين 5-7 كلم، الاختلاف في سمك هذه القشرتين يلعب دورا هاما في تكوين الزلازل والبراكين, وسوف نأتي على ذكر ذلك، صلابة كل من القشرية القارية والمحيطية وارتكازها على غلاف الوشاح اللدن، يجعل هاتين القشرتين كالقارب على سطح البحر، بمعنى أن كلا القشرتين (القشرة المحيطية والقارية) تتحرك فوق طبقة الوشاح اللدن، والقوى المحركة لهاتين القشرتين هي اختلاف درجات الحرارة والكثافة للصهير بين لب الأرض ومنطقة الوشاح اللدنة الخارجية، ويذكر علماء الجيولوجيا أن سطح الأرض وقاع البحر والمحيطات (القشرة المحيطية والقشرة القارية) يتكون من 13 صفيحة منفصلة عن بعضها البعض والعديد من الصفائح الأخرى تطفو فوق المنطقة الخارجية للصهير اللدن الموجود في منطقة الوشاح، وأن هذه الصفائح في حركة دائمة تعرف باسم الانجراف القاري Continental drift، والتي أوضحها عالم المناخ الألماني Alfred Wagner عام 1910, هذه الصفائح في حركتها هي التي تتسبب في نشأة وتكوين الزلازل والبراكين، قوة وشدة الزلازل والبراكين تتوقف على سلوك حركة هذه الصفائح، وهذه الحركة على ثلاثة أنواع، فهي إما تكون حركة تصادمية بين صفيحتين Convergent أو تباعد صفيحتين Divergent كما يحدث في البحر الأحمر في تباعد الصفيحة العربية عن الصفيحة الأفريقية وهذا ما سنأتي عليه بالتفصيل، أو حركة صدع ناقل Transform (انزلاق صفيحة على أخرى) كما يحدث بين الصفيحة العربية والصفيحة التركية ونأتي على ذلك أيضا بالتفصيل، وأحب أن أوضح للمهتمين والدارسين للزلازل والبراكين، أنه لا يمكن فهم ميكانيكية حدوث الزلازل والبراكين والتنبؤ بحدوثها ما لم ندرك ونعي بالتفصيل ما ذكرته أعلاه، وأمر آخر يجب أن نضعه نصب أعيننا أننا لسنا ببعيد عن هذه الظواهر المدمرة ويجب أن نعد العدة لها, ومما يؤكد ذلك الزلزال الذي حدث في البحر الأحمر بقوة 4.6 درجات على مقياس رختر منذ حوالي أربعة أشهر في البحر الأحمر ولا يبعد كثيرا عن مدينة جدة، وكم أتمنى من الهيئة الجيولوجية السعودية الاهتمام بهذه الأمور التي هي من صميم تخصصها والابتعاد عن أمور ليس لها فيها ناقة أو بعير مثل إنشاء السدود شرق مدينة جدة، والحديث موصول مع زلازل بلاد الشام وبالله التوفيق.