في كتاب (عبوديتي.. حريتي) يقص لنا السيد (فردريك دوجلاس) الجدل الإنساني بين العبودية والتحرر، وأنه رصيد نفسي قبل كل شيء، فقد كان شابا يافعا حين كان يعمل عبدا في مزرعة الإقطاعي الأميركي الأبيض (أولد توماس) ولأنه قبل القدوم إلى ميريلاند كان يخدم لمدة سبع سنين منذ كان في العاشرة عند شقيق أولدمان في بالتيمور، ولأنها مدينة فقد تعلم القراءة والكتابة التي كانت محرمة على العبيد، وبدأ تحت نشوة العلم يعلم من حوله الكتابة والقراءة.
لم يعجب الإقطاعي توماس في مزرعته الغاصة بالعبيد أن يأتيه عبد مثقف. كذا. فبدأ يذيقه الخسف والمسخ، وكان جواب دوجلاس مناقشة السيد والرد عليه في بعض الأمور التي تحتاج لاجتهاد.
كان هذا في عرف الإقطاعي الأبيض تمردا خطيرا ووقاحة وقلة أدب وصفاقة. لذا وبعد أشهر من عمل دوجلاس عنده خطرت في باله حيلة جهنمية.
إن المزرعة القريبة منه فيها إقطاعي رهيب هو السيد (روبرت كوفي) لا تعجزه أي حالة تمرد من عبد منحوس، وعرف عنه أن يكسر شوكة أي عبد متمرد خاصة الشباب منهم. كانت له طريقة متدرجة تبدأ من الجلد المبرح مع التجويع المستمر.
تغير دوجلاس كثيرا عند الإقطاعي الجديد الذي كان من المفترض أن يعمل عنده سنة هي مثل القرن. أخيرا تحطم دوجلاس كلية ولم يعد يقرأ شيئا بل كان همه لقمة يأكلها ومكانا يأوي إليه من فرط التعب.
وفي يوم ضربه روبرت كوفي ضربا شديدا فآوى إلى شجرة وارتمى تحتها، فما كان من الإقطاعي كوفي إلا أن هجم عليه فهرب واشتد حتى جاء مزرعة سيده القديمة أولدمان وتوسل إليه أن يحافظ عليه ولا يرجعه إلى السيد كوفي.
سر جدا أولدمان بخبر كسر إرادة هذا الشقي وهزاله وضعفه واستسلامه. قال له يافردريك ستبقى الليلة هنا ولكن عليك الالتحاق بمزرعة كوفي صباحاً.
جر دوجلاس رجليه صباحا وعاد إلى مزرعة روبرت كوفي! وهناك بدأ عمل الصباح كالمعتاد. فخرج عليه كوفي بحبل غليظ لربط رجليه وبدء سلخ جلده بالسياط.
تلفت المسكين دوجلاس عسى من مخرج فلم يطل الوقت حتى خرج قريب لكوفي أيضا فاجتمع عليه البلاء والعصابة والفقر والجوع والذل.
هنا يقول دوجلاس عن نفسه رجعت إلى روحي وقلت إن لم يكن بد من الموت فليس من حياة وأهلا بالموت.
العبد دوجلاس ابتدأ بالعراك مع كوفي واستمرت المنازعة بينهما قريبا من ساعتين تعب فيها السيد المكتنز لحما المشحم مثل دب قطبي بدون عضلاته.
والعبد دوجلاس يمتنع عن تسليم نفسه للوثاق والحبل والسوط والعذاب، فقد كان يدرك أنه لو تمكن كوفي من ربط رجليه فسوف يضربه ربما حتى الموت.
يقول دوجلاس لاحقا في هذه اللحظة تحررت وأدركت أن قوة ربي معي. ولكنها خطوة مكلفة فقد توقع دوجلاس أن يرجع كوفي بالبارودة فيطلق عليه النار ويقتله وما من محاسب. ولكن هذا لم يحصل.
لقد أدرك كوفي أنه من الأفضل له تركه. فلو انتشرت الإشاعة عنه أنه فشل في تربية هذا العبد فقد يخسر سمعته في المنطقة.
بعد هذا التحول تابع دوجلاس تعلمه وتعليم من حوله لشعوره الكامل أن الجهل هو باب دخول النيران والاستسلام للطغيان..
ومن عمله ولدت ثورة كاملة بين العبيد..
إنه قانون بلال بن رباح ضد أمية بن خلف "كلا لا تطعه واسجد واقترب".. في القرآن قانون ينص على أنه ليس من أحد له سلطان على أحد، بمن فيهم الشيطان؛ فليس له سلطان إلا على الذين اتبعوه من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين.
ومن هذه القصة يمكن توليد معنى في غاية الأهمية أن جوهر التغيير هو نفسي، وإن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءً فلا مرد له ومالهم من دونه من والْ.