فكرة هذا المقال كانت قبل تصريح سمو وزير التربية والتعليم إنشاء 40 مركزاً علمياً لدعم الأبحاث العلمية وتقنية النانو، ووضعت لهذه الفكرة العنوان التالي "التعليم مسؤول عن الاستمرار في الاستيراد أو التحول إلى التصدير" لأطالب التعليم بالتركيز على العلوم والرياضيات والهندسة، لأن عالم التقنية اليوم يعتمد اعتماداً كلياً على هذه الحقول. ومن مبدأ الموضوعية أعدل عن فكرة العنوان وفكرة المقال كلياً لأشد على يد الوزارة ثناء على هذه الخطوة الجبارة.

ولأهمية التركيز على هذه الحقول ولأهمية خطوة الوزارة هذه دعوني أبدأ بهذه القصة بالغة التعبير وسامية الهدف. يقول أحد رؤساء كبريات الجامعات إن صديقاً له عرض على ابنه دراسة الهندسة أو العلوم في إحدى الكليات.. ورد عليه الابن قائلاً :"أبي لماذا أدرس الهندسة أو العلوم مع اكتمال كل الاختراعات في عالم اليوم وعدم الحاجة إلى اختراعات جديدة؟"، ويعلق رئيس الجامعة تلك على هذا الرد بالقول: "إذا سادت هذه النظرة بين الشباب والطلاب وكان هذا ما يفكرون فيه فعلاً فلا عجب أنهم لا يدركون قيمة دراسة العلوم والرياضيات والهندسة، ولهذا يجب علينا أن نجد طرقا فاعلة لنقول لهم: إن مهارات الرياضيات والعلوم والهندسة التي تدرسونها ستمكنكم من أن تكونوا منتجين لا مستهلكين.

تأملوا عمق كل كلمة من هذه الكلمات لتعرفوا سبب تقدم الأمم وقوتها وسعادتها وكذلك سبب تخلفها وضعفها وضيقها بنفسها، لعلنا ندرك جميعاً أن أهم المعوقات الأساسية للمنافسة هو ضعف استعداد الطلاب والدارسين في مواد الرياضيات والعلوم والهندسة.. لأن هذه المواد الأساسية أمر مهم لتكوين مواطنين مسؤولين في عالم تسيطر التكنولوجيا عليه، هذا من جانب، ومن جانب آخر لأن مؤشر احتياج كل وظائف القرن الواحد والعشرين المعتمدة على هذه الحقول في ازدياد مطرد إلى درجة أن نسبة كبيرة من المهارات التي تعلمها خريجو عام 2004م لن تكون مطلوبة في وظائف عام 2014م مما يضع عبئاً ثقيلاً ومتابعة جادة وواعية على مؤسسات التعليم والقائمين عليها.. وسعادتنا كبيرة بخطوة وزارة التربية والتعليم بإنشاء مراكز علمية، لأنها تصب في هذا الاتجاه وتساعد على منعنا من الانزلاق إلى مسارات مسدودة تؤدي إلى بناء محطات التخلف.

الوصول إلى النمو الاقتصادي المبني على الابتكارات والاختراعات يحتم علينا وجود برامج قوية وفاعلة في الرياضيات والعلوم والهندسة. ولابد أن نرى مستويات متقدمة لطلابنا في اختبارات الـ Timss العالمية، ولابد أن يكون معيار جودة البحث الذي يقوم به طلابنا في هذه المراكز الوصول في أبحاثهم إلى براءات اختراع أو حل مشكلات محلية أو عالمية.

ولكي تؤدي هذه المراكز دورها بشكل فاعل في رأيي لابد من تخريج وتدريب والتعاقد ومكافأة المعلمين في هذه التخصصات، أربعة شروط هامة للنجاح في هذه المهمة.

التركيز على المنهج والطريقة التكنولوجية تأتي مسألة ثانوية لسهولة تحقيق ذلك.. لكن المعلم المؤهل المدرب المستمر في عمله مع إعطائه ما يستحق من حوافز أمر أساسي ويجب أن تكون له الأولوية.

سندمر كل الجهود المبذولة في منهج متميز وتكنولوجيا عالية وفصل ذكي بمعلم لا يملك المهارات التي تمكنه من تخريج طالب يستطيع الإبداع والاختراع وإيجاد الحلول للمشكلات.. والعكس صحيح تماماً. بمعلم مؤهل مدرب محفز نستطيع أن نقضي آلياً على مشكلات المنهج والتكنولوجيا وباقي الإخفاقات.. هناك أمر في صالحنا يجب أن نستثمره هو حماس الشباب وإمكانية جعلهم يشمرون عن سواعدهم للتصدي لمشكلات كبيرة كانت أم صغيرة بشرط أن نصل بالشباب إلى مستوى يشعرون فيه أنهم يصنعون الفرق ويشعرون فيه أن عملهم له أثر على محيطهم أو على العالم .. والدراسات تشير إلى أن الشباب إذا وصلوا إلى هذا المستوى لن يشعروا بالهزيمة عندما يواجهون التحديات .. بل يقبلونها ويتعاملون معها بكل وعي ويتغلبون عليها، لأن هناك ما يدفعهم ويحفزهم لذلك. وهو أنهم يرون أثر عملهم وإنتاجهم على أرض الواقع.

إذا أمعنا النظر في اختراعات القرن الواحد والعشرين مثل Ipod ، Wii، Gps،Google التي غيرت حياتنا وعرفنا سير مخترعيها وجدنا أنهم يعرفون الكثير عن الرياضيات والعلوم والهندسة ونحن نضيف بعد توفيق الله.

والآن، وبعد خطوة الوزارة هذه لا بد أن نرى ثمارها على الواقع ولا بد من تقييمها ومعرفة السلبيات ونسرع في معالجتها والإيجابيات ونسرع في تعزيزها وحفزها.