أنا بحاجة إلى المشورة، ففي الآونة الأخيرة عنّ عليَّ التفكير حول علاقاتنا ككتاب مسؤولين وكجمهور متابع ومسؤول أيضا، وحين أذكر الجمهور أعنيه بجميع شرائحه من أكبره إلى أصغره، نحن نعرف أن البقاء على أي علاقة يأخذ الكثير من الجهد، من العطاء، من التحاور، والأهم من ذلك كله نسبة كبيرة من الاعتراف بإنسانية وحقوق الآخر، ولكن بالنسبة لي هذه العلاقة حيرتني، بالفعل حيرتني كما أجهدت تفكيري! ما الذي تغير؟ من الذي تدخل وخلق تلك الفجوة بيننا، فأصبحنا غرباء؟!
أعيد وأكرر، إنه مجرد تفكير فإن كنتم تنتظرون الإجابة مني، فأنصحكم بألا تتابعوا القراءة، لأنني ببساطة ما زلت أفكر، وإن كنتم ترغبون في المشاركة في التفكير فلا بأس، لنكمل معاً، ودعونا نبدأ بالتساؤلات، فإن لم يلاحظ بعد، فأنا أفكر عن طريق الأسئلة:
بالأمس كان الكاتب يستقبل الرسائل والردود على بريده في الصحيفة التي تظهر فيها مقالاته، كان يستقبل تأييدا، رفضا، تشجيعا، تهديدا، وعودا بالتغيير، قضايا ومشاكل متنوعة المرجعية والنوعية.. إلخ، بعدها تحول المسار إلى البريد الإلكتروني، بمعنى أن صوت القارئ لم يكن يصل إلا للكاتب، واليوم أصبح بإمكان الجميع، إن أرادوا، أن يشاركوا في الحوار والرد على موقع الصحيفة، حتى عرض قضاياهم، لا نقول بأن جميع ما يكتب يُفسح، لأنه ما زال لدينا من يحمل مقصا ويختار ما يعرض من مشاركات، قد لا ألومهم لأن هناك من يتحامل ويتطاول على الكاتب خارجا عن حدود النقد البناء، ولكن بما أنه يحمل مقصا، فما يعلمنا أنه لا يقص مشاركات البقية وعلى ذوقه ومعاييره! المهم هنا أنها فرص أتيحت ولكن.. ولنضع تحت هذه الـ "لكن" مئة خط أحمر، الذي أراه وألمسه من الكثير من القراء هو ذلك الشعور المتزايد من العدائية عند البعض واللامبالاة عند البعض الآخر، السخرية عند البعض، والغضب عند البعض الآخر، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد أن الكثير من الكتاب بدأ يسأم من المحاولات سواء كانت تحليلا أو تبريرا أو تثقيفا أو تعريفا، أين الدليل؟ لنراجع المقالات التي كتبت وتكتب يوميا نجد أننا جميعا ندور في نفس العجلة، نعيد ونفتق بثوب نفس المواضيع، طبعا كل حسب أسلوبه ونوعية قرائه، لقد أصبنا بصداع مزمن اسمه التكرار، لماذا نستمر إذن؟!
لأقرب المعنى أكثر، وأذكر هنا أنه مجرد تفكيري وتحليلي، وقد أكون خارج خريطة الأحداث تماما، وقد أكون أغني في الطاحون وحدي، ولكن من أجل المسايرة، سيروا معي، قد أجد عندكم الإجابة، نحن ككتاب نعرض ونحلل ونبحث ونلقي الضوء على قضايا نعتبرها محورية، ونطالب بالرد المنطقي، بالحلول التي يمكن تطبيقها على أرض الواقع، وليست مجرد مشاريع حلول مجمدة أو مخزنة في الأدراج يفرج عنها كلما ضُيق الخناق ثم تعود لمثواها، كما نطالب بالمحاسبة، والقراء، المتجاوبون منهم، يكتبون تأييدا أو رفضا ولكن تظهر مشاركاتهم أن لهم نفس المطالب، وبما أننا جميعا أولا وأخيرا مطالبون بأن نحترم القوانين الاجتماعية منها والنظامية، ومن يخرج عنها يحاسب بالخصم من راتبه، بمخالفات تسجل في جميع الدوائر، بالإعفاء من الوظيفة، من المدرسة، من الجامعة، بالطلاق، حتى بالسجن، بالمقابل أليس هناك احتياجات أساسية، وآراء ومطالب تراكمت حتى أصحبت لا تعد ولا تحصى! إذن ألا تلاحظون أن هناك خللا ما في المعادلة! نُطالب ولكن حين نَطلب لا نجد، وهنا أعني الجهتين الطالب والمستقبل بغض النظر عن موقعه؟... متى نسينا أن الأنظمة والقوانين وضعت من قبل الأقلية من أجل راحة ومصلحة الأغلبية؟ متى نسينا أنها قابلة للتعديل حسب متغيرات العصر واحتياجات المجتمعات؟
كتبنا وكتبنا وماذا حدث؟ هل تغيرت سلوكيات المواطن لاحترام القوانين واتباع النظام والقضاء على المحسوبية والواسطة؟ هل توحدنا بالتعايش السلمي مع من يختلف معنا؟ هل توقفنا عن بث خطب السخرية والكراهية والعداء؟ وتجاه من؟ تجاه من هم من أبناء جلدتنا، هل تحصلنا على تعليم لأولادنا، مثلما نريد ونحلم؟ هل تم تأهيل أبنائنا حسب متطلبات سوق العمل؟ هل قمنا بتوفير فرص عمل كافية أو إعادة تأهيل لجميع المستويات المهارية المتواجدة الآن لدى شبابنا؟ هل خططنا لاستيعاب القادم منهم؟ هل قمنا بتوفير الرعاية الصحية الشاملة للجميع، المواطنين والمقيمين؟ هل عالجنا الخلل في البنى التحتية وعلى جميع المستويات؟ هل تمكنا من القضاء على الهدر في المال العام؟ والأهم من هذا كله ماذا فعلنا من أجل معالجة الفجوة التي مازالت تتسع بين الغني والفقير؟ هل واجهنا اندثار الطبقة الوسطى؟
وفي النهاية نتساءل، هل نحن أدوات تغيير وتنمية أم أدوات تنفيس؟ هل نستحق أمانة الكلمة إن كنا ضعفاء وتخلينا، كسّرنا الأقلام واحترقنا؟ ولكن إن نحن يئسنا وتخلينا، أين يا ترى سيكون موقعنا؟ إن كتبنا اتهمنا بالإعادة والتكرار! وإن توقفنا اتهمنا بالتخاذل والتخلي! قد تكون هناك إجابة عن كل هذه الأسئلة، ولكنها ليست عندي، فأنا مازلت ...أفكر! أجد نفسي أدور وأدور ولا أرى توسعا أو تغيرا، بل أجد أنني دائما أعود لنقطة الصفر!.. ولهذا طلبت المشورة، فهل أجدها عندكم؟